هل المتعلم هو المثقف

هل المتعلم هو المثقف؟
من كتاب تأملات من حياة كاهن للأب يوسف جزراوي
كثيرًا ما يتداول عامة الناس مصطلحات وتعابير"أنه دارس،مثقف، ذو شهادة". وينسبون ثقافته لكونه خريج الجامعة المعينة أو المعهد الفلاني .. ونحن تحديدًا كشرقيين وعراقيين ما أن نسمع أن (س) من الناس خريج الجامعة أو المعهد الفلاني لنقيم له وزنًا ونُصّنفه في عداد المثقفين والنوابغ وربما العلماء..! لكنّ بدوري أرى فرق شاسع بين الثقافة والتعليم وبين المثقف والمتعلم ، فليس كل دارس حاصل على شهادة أكاديمية هو مثقف.
من الأمور المغلوطة لكنّها وللأسف شائعة في مجتمعنا العراقي أننا ننعت كل صاحب شهادة بالمثقّف! فربّما تصادف أو قد تلتقي في مسرح الحياة ذوي شهادات واختصاصات فتراهم محدودي الأفق ضيقي النظر مُنغلقين على ما لديهم من خبرات وقناعات.. رافضيين الإنفتاح على كل ماهو جديد ومفيد، متمسكين بخبراتهم محدودة ولا يجيدون الحديث بكلمتين لا أكثر! وربما تجد العكس. أو قد عايشت أشخاصًا لم تسمح لهم ظروف الحياة من مواصلة واستكمال دراستهم أو قد تلتقي باشخاص لا يمتلكون أيّة شهادة أو أختصاص، لكنَّهم أساتذة في التعامل الإنساني، لأنهم إكتسبوا ثقافتهم من مدرسة الحياة ومطالعات وتجارب..لذا يا ليت ألاّ نحصر الثقافة والمثقف بين جدران الدارسين وأصحاب الشهادات، فهناك شخصيات معروفة تركت بصماتها المؤثرة في الحياة وفي تاريخ كنيستنا وهم لا يمتلكون أبسط الشهادات والأمثلة كثيرة. فالحياة تُثقف الإنسان لما تحويه من دروس وعبِر.
تشخيص الأمور:
لعلي هنا أُشخص المُشكلة: أننا عانينا ولا نزال نعاني اليوم في مُجتمعنا العراقي من سوء هضم معرفي وثقافي!
من الأخطاء الشائعة في مجتمعنا أن نُسمي الوزارة التي تعنى بشؤون الطلبة والتعليم ( بوزارة التربية و وزارة التعليم العالي) لكن واقع الحال وقد يتفق معي كثيرون أن قلت: إن هذه الوزارة ومؤسساتها لا تعطي تربية وثقافة بقدر ما تقدم معلومات وتعليم محض، فهي من وجهة نظري مؤسسات لا تهتم بتربية الفرد وتنشئته وتكوينه وبنائه فكريًا وإنسانيًا ليتمكن من التفكير بشكل منهجي منطقي، بل تجعل منه أله لحشو المعلومات التي قد ينساها واحدنا مع مرور الزمن. وكلنا يعرف أن في مدارس وجامعات العراق هدف الكثير من الطلبة (النجاح فقط) وبأية طريقة كانت! وإن كان النجاح أو الشهادة تُشترى مقابل مبالغ مادية مُغرية. ومقياس الطالب لدينا هو ما يجمعه من علامات (درجات) عالية وليس بمقدار ذكائه أو إستيعابه للمواد الدراسية التي تُقدّم إليه.
كنا ولا نزال نرى بعض الطلبة يتقاعسون من الذهاب إلى المدرسة أو الكليات، وأن ذهبوا تراهم مُشمئزين أو بدافع الإكراه من قبل الأهل للتفاخر بولدهم او إبنتهم الذين يمتلكون الشهادة الفلانية!
كان البعض من أبناء الجيل السابق مُتمسكًا بالدراسة خوفًا من خدمة العلم لما شهده البلد من حروب طاحنة. كذلك نرى اليوم الكثير أيضًا من أبناء الجيل الجديد مُتمسكًين بالدراسة للحصول على الشهادة ليتوظف بها، جانيًا منها رواتبًا مغرية. فبات البعض يدرس ويتعلم من أجل غاية ما، وليس حبًّا بالتعليم والمعرفة والثقافة وبنيان الذات. لا حظوا أن معظم الطلاب ( ربّما أنا كنتُ واحدًا منهم أيام دراستي في المتوسطة) يعدون الأيام ويتمنون أن تأتي العطلة الصيفية بسرعة للتخلص من حزم الورق التي على ظهورهم.
أتوقع أن مُعظمنا قد شاهد هذه الصورة من قبل بعض الطلبة وهو يمزق الكتب و يحرقها .. فتقول مع نفسك: كأن بينهم ثأر وحرب لن تنطفي نارها أبدًا وكأنه يتشفى من ذلك الكتاب، فتجده يمزقه ورقة ورقة! ولا عجب أن قلت وللأسف تحولت الكثير من مدارسنا و معاهدنا وكلياتنا إلى مؤسسات للجفاف العقلي وحشو الذاكرة ، مؤسسات لضّجر الطلبة من حبّ المعرفة! فلم نتعلم في مدارسنا أن نُفكر ونحلل ونتسأل ونبحث، بل أن نحفظ على ظهر القلب ( دراخ) مثل الببغاء. فترانا في بجامات النوم أو على سرير النوم أو في سطوح المنازل وعلى أرصفة الأزقة نُردد الواجب المدرسي ونحفظه على ظهر القلب. هكذا تعلمنا على (بلع) الواجب والمعلومات الدراسية ولا نهضمها. فعانينا ونعاني اليوم من سوء هضم ثقافي ومعرفي! وهذا هو في ظني سبب تأخرنا في الكثير من المجالات قياسًا لا أقول بدول العالم ، بل مقارنة مع بعض الدول العربية المُجاورة وغيرها..! فختلطت لدينا الأوراق وبات الشغل الشاغل للكثيرين من الطلبة هو الحصول على الشهادة، والسبب كما أراه أننا مُجتمع مُهتم بالمظاهر، فنحسب خريجي الكليات بالمثقفين ونحسب لهم حسابنا ونعطيهم مكانة مميزة في المجمتع..
ولكن في الحقيقة يوجد فرق شاسع بين المثقف والمتعلم. بمعنى أخر إن كان واحدنا قد نجح في دراسته، فهذا لا يعني أنه مُثقف وناجح في حياته. كلا وألف كلا هناك فجوة بين الإثنين.
الثقافة نوعان؛ ثقافة المعلومات والفكر والأيدلوجية. وثقافة السلوك والتعامل مع الآخر. فدراستنا ومعلوماتنا وأفكارنا وثقافتنا أن لم تدخل في تكويننا وتصبح نصل دم وجزءًا من ذاتنا لنوظفها لخير الحياة والآخَرين، ستبقى مجرد معلومات جوفاء.
المُثقف هو ذلك الذي له القدرة على أن يكون في حوار وإتصال دائم بدافع الحبّ والتثقيف وبنيان الذات مع الكتاب ومع الحياة والآخرين ومع الرب ليستجلي الحقيقة النسبية ليشرق بها على الآخرين. وقد لا أكون مخطئاً بقولي:لا أرى النظام التعليمي في العراق ينتج مثقفين..بل ينتج ناس حاصلين على شهادات يصح لنا تسميتهم بالمُتعلمين والدارسين. لا ابغي التعميم بل هذا هو واقع الحال...
ختامًا أقول وللمرة المليون، الفرق شاسع بين المثقف والمتعلم وليس كل من إمتلك شهادة فهو مثقف! والإنسان من ثماره يُعرف.
وليتنا نُنشأ أولادنا على حُب المعرفة والتعلم وتثقيف الذات وأختبار الحياة وإستيعاب ما هو جوهري منها!

موضوع جدا جميل الحقيقه كل ما كتبت يا ابونا هو صحيح لان يوجد الكثير من الناس الخريجين ولديهم شهادات ولاكن ليس لدهم ثقافه مع كل الاسف

وخصوصا الذين ياتون الى اوربا يعني بلصوره العامه ....شايفين نفسهم ......وهذا اكبر غلط حتى على اهاليهم يتكبرون هي الشهاده والتعليم والتثقيف

ضروريه ولاكن كل واحد حسب تربيته ...والله يساعدنا حتى نكدر انعلم اولادنا التربيه الصحيحه حتى الرب يكون راضي علينا وهذا اهم شئ بلنسبه الي

شكرا ابونا الله يقويك مواضيع حلوه

بالتأكيد أبونا ليس كل من يمتلك شهادة هو مثقف، فالأنسان من ثماره يُعرف ويثمن وتقدر قيمته بها ... فأعماله وأقواله وأفعاله هي التي تحدد القيمة الحقيقية لشخصه، بهذا تعرف معدن الأنسان .. ولكن في النهاية نقول الحياة هي اكبر مدرسة، وتجاربها هي الدروس التي نتعلم منها ونستقي منها معرفتنا ..... وتحياتي لك رابي وبالتوفيق دوما

في الحقيقة ليست الشهادة مقياس للشخص المثقف ابدا
فهناك المثقف الذي لم يدرس ولم يحصل على شهادة
واحيانا الظروف تتحكم بالشخص

مقال اكثر من رائع

مشكور ابونا الغالي

الحقيقة ابتي الغالي اقول ان مقالاتك سوفه القبها ( الذهبية ) يمكن دكول تبالغ ولاكن هذه هي الحقيقة
لان ماكو مقاله او قصه او روايه او حتى تعليق بسيط ..الا فيها مقايس وتعابير لتثقيف الانسان في كل المجالات

شكرا لك ابتي الغالي ودمد لنا ذخرا والرب يحميك اينما كنت

اخوك دوما
عصام الشيوزي

الذين ياتون الى اوربا يعني بلصوره العامه ....شايفين نفسهم ......وهذا اكبر غلط حتى على اهاليهم يتكبرون هي الشهاده والتعليم والتثقيف

يسلمو الايادي على الموضوع

عاشت الايدي على الموضوع المميز ربي يحميك ويقويك ابتي

اكيد مو كل متعلم هو مثقف والانسان من ثماره يعرف والانسان المثقف هو ان يعرف اي شي عن كل شي

صح ابونا ليس كل من إمتلك شهادة فهو مثقف

موضوع جدا جميل

عاشت الايدي و شكرا ابونا على الموضوع اكثر من رائع

» من هو المثقف؟