ليلة من العمر
من كتاب تأمُّلات من حياة كاهن للأب يوسف جزراوي- العراق 2009
ما زلتُ أتذكر تلك الليلة الجميلة التي جمعتني مع مجموعة من الأخوة والأخوات والأصدقاء في بيت إحدى الأخوات في بغداد الحبيبة أيام الخير! ليلة أمست لقاءًا وداعًا ؛ بل لقاء العرفان بالجميل لكاهن كنيستنا الفاضل التي خدمها لسنوات طوال . فكانت أختنا صاحبة الدعوة قد أجهدت نفسها وعائلتها في إعداد كل شي وبأحسن ما يمكن وألَّذ ما طاب . فكانت جلسة مُريحة هادئة مفرحة مفيدة غنية بالمعاني.
كانت قد حدثتني عن شقيقها كثيرًا وعن روح الفكاهة والنكتة التي يتحلىّ بهما بالرغم من ظروفه الصحية الُمتعثرة وكثرة العمليات التي أُجريت له ، فتألمت لأجله وتشوقت لمعرفته وظننت انه سيكون في حالة تمزق الفؤاد . وإذا به يكون أحد المدعوين في تلك الليلة الجميلة ، فيا محاسن الصدف! فالتقيته وتعرفت عليه، فوجدته ذكيًا لبقًا ؛ فكاهيًا، إختبر الحياة واستوعب ما هو جوهري فيها . وكان بين الحين والآخر يروي لنا عن خبراته الجميلة مع بعض الحضور وموقف صعب حدث له برفقة الكاهن الوقور، ويمزح مع فلان وفلانة من الحاضرين ويوزّع النكات بين حديث وآخر وكأنها معزوفات موسيقية بعثت في الأمسية رومانسية وجمالاً وأنغامًا واعطت لها نكهة خاصة!
رغم ظروفه الصحية؛ لكنه متفائل ولا تغيب الإبتسامة عن شفتيه ،إيمانه عميق متكلا ًعلى الله في كل شيْء. إن بوسع أي شخص آخر أن يقلّب حياته وحياة عائلته والآخَرين بؤسًا وشقاءًا!
إنها امُسية جميلة بناءة، لم نشعر فيها بالوقت، فلم تكن أمسية لمجرد العشاء والواجب لوداع كاهن، بل لقاء محبّة . وما أجمله من لقاء. حقًا انها ليلة من العمر!
لذا لستُ من مُحبي اللقاءات والولائم التي ليست سوى للأكل ومليء البطون. فلقاء مثل هذا أشبع ذاتنا وأغناها معنى ، قبل أن يحشو بطوننا طعامًا ويشبعها.
فلتكُن لقاءتنا للمعنى.