) المُطالعة غذاء الفكر والروح
من كتاب خلجات الذات الجريحة للأب يوسف جزراوي- قيد النشر
كان ولا يزال محبٌ للمعرفة والمطالعة، أشجعه بإستمرار وأحثه على المزيد، ولكونه قريب من المدينة التي أقطنها، فنقوم بتبادل الزيارات بين الحين والآخر لغرض اللقاء وتبادل الخبرات وتفقد بعضنا البعض. فكنت أنال منه العتاب والنصائح وأحيانًا تكون قاسية، لكنها بدافع الود والصداقة..فقالها كثيرًا: " كفاك مُطالعات ولا تبالغ بها ،كفاك تقضي الليل ساهرًا بين جدران غرفتك عائشًا مع كتبك ومطالعاتك وقلمك.... فالإنسان لا بديل عنه..".
إنه على حق، الإنسان لا بديل عنه، إنه كتاب مليء بالخبرات. خبرة نلمسها ونسمعها ونعيشها..إنه واقع حياة، لكن هذا ليس دافعًا لنقلل من إهمية المطالعة في بناء الذات وتحقيقها. المطالعات تعلمنا وتكسبنا خبرات حياتية عديدة بنّاءة ، إضافة إلى أنها توسع الأفق، وتولّد فينا لباقة الكلام وتدفعنا إلى الإنفتاح على حكمة وثقافة العالم من خلال الإطلاع على خبرات وتجارب الأشخاص اللذين سبقونا في الوجود ورحلوا عنه، لكنّهم بقوا أحياء وخالدين فيه من خلال ما تركوه لنا من كتابات ونتاجات وأبحاث ومآثر وأفكار نيرة. حبّ المعرفة ، نعمة وموهبة وتربية ذات . لذا رجائي ألا تحرم ذاتك من هذه النعمة.
كان المُغني الأمريكي الراحل ذات الشهرة العالمية مايكل جاكسون ملك البوب من أشد المواظبين على المُطالعة ولاسيّما الكتب الفكرية، ورغم التزاماته الفنية ومرضه المزمن وألمه وكل الإشاعات التي أُحيطت به والتي استنزفت حياته ، لكنّه كان مُحبًا ومواظبًا على المطالعة. كان الكتاب خير جليس وصديق له. ولما توفي جاكسون في لوس انجلوس 26/6/2009 أثر نوبة قلبية مفاجأة صدمت العالم بأسره وهزته، سألت إحدى الفضائيات الأمريكية ولده البكر والبالغ من العمر 13 عامًا عن ذكرياته مع والده الذي أبكى الملايين من البشر أثر رحيله المفاجئ، فأجاب: "تعلمتُ من والدي حبّ الموسيقى والفن والأهم من ذلك، علمني حبّ الثقافة ومحبة الكتاب والمطالعات العامة وبالذات قبل التوجه للنوم ليلاً.
كان والدي قارئ رهيب لا يكف عن أكل الكتب؛ الكتب التي تغذي الفكر والروح..كان يطلب مني بكلِّ حرص قراءة مثل هذه الكتب، وهذه الكتب بالفعل ساعدتني على فهم طفولتي وحياتي بشكل أفضل".
وفي لقاء أجرته قناة البغدادية مع الممثل العراقي الراحل عبد الخالق المختار (الباشا) قبل رحيله لدار البقاء بأسابيع معدودة، شدد على أهمية المطالعة التي تخلق وعي ثقافي وحضاري للمرء كما ودعى إلى أهمية التبحر في الكتب الثقافية والروايات من خلال المطالعات اليومية.. فقال رحمه الله : " الكتاب رفيقي ... وابتسم ليُكمل بل هو نصفي الثاني..إنه أشبه بكبسولة دوائي المزمن التي لا أستطيع الاستغناء عنها، فيه (الكتاب) حياة لذاتي..".
جميل ان ننشأ ذاتنا وننشأ الآخرين على حبّ الثقافة والمطالعة ..
إن ما لفت إنتباهي في الكثير من الدول الأوربية هو محبتهم للمطالعة، فتجد الكتاب مُلازم للأشخاص في القطارات والباصات والطائرات. ناهيك من أن في كل مركز مدينة توجد مكتبة عامة للمطالعات وإعارة الكتب والمجلات، واحدة لصغار السنّ وأخرى للبالغين، وفي مُعظم الأوقات لا تجد لك مكانًا للقراءة، مما يدفعك لاستعارة ما تريد من كتب ومجلات..!
في عيد ميلاد إحدى الزميلات الهولنديات، أبلغتنا إنها ترفض أن تستلم أي هدية ما خلا هدية واحدة! ولما تسألنا عن هذه الهدية؟! أجابت: من يرغب في إهدائي هدية ، فليكن كتابًا!!
يا ليت أن نضع لنا منهجية لقراءة ما هو مفيد ومُثمر لحياتنا بدلاً من أن نضيع الوقت ونهدره بالثرثرة والكلام على هذا وذاك وتلك... لأن القراءة والكتابة من أهم المهارات الضرورية، واللازمة للفرد كي ينجح في حياته الخاصة والعامة، وهذه الأهمية تنبع من كون القراءة والكتابة وسيلتان من الوسائل الأساسية للتفاهم والاتصال والتواصل بين البشر، وهما سبيل لا غنى عنه في سبيل توسيع آفاق الفرد العلمية والمعرفية والحياتية، وإتاحة الفرص أمامه للاستفادة من المعارف الإنسانية. اليوم أصبحتا القراءة والكتابة معيارًا من المعايير التي يبعث بها تطور أي مجتمع علمي ومعرفي.
أكد الفيلسوف الإنكليزي "فرانسيس بيكون" أن القراءة تصنع الإنسان. وذهب الشاعر الفرنسي "فولتير" إلى أبعد من ذلك ، حين رأى أن الذين يقودون الجنس البشري، هم الذين يعرفون كيف يقرأون وكيف يكتبون.
أمنية عزيزة على قلبي، أن يقيم إنساننا وزنًا قيمًا للمطالعات البناءة، ويخصّص لها وقتًا كل يوم ، فهي كنز لا يُستغنى عنه.
تأكد أن الشجرة المثمرة هي التي عليها الطلب، لأنها مُعطاء دائم.
والإنسان بعطاءه ينمو ويُسعد ويبدع، ومن يبدع سيترك بعده الآثر الخالد.