الهــــــــــــــــــــــــــــدوء
من كتاب قصص روحيّة وإجتماعية للأب يوسف جزراوي 2009
[color:ed30=blue[size=18:843d]]فُقِدت ساعة ثمينة من رجل غنى أثناء تجواله داخل ممرات ورشة نجارة خشب تمتلئ أرضيتها بنشارة خشب يصل أرتفاعها إلى بضعة سنتمرات .أعلن الرجل أستعداده لتقديم مكافأة مالية كبيرة لمن يجد الساعة، لما لهذه الساعة من مكانة مميزة في حياته.
سارع العمال الى تقليب أكوام النشارة باجتهاد مستخدمين أدواتهم التي يمتلكونها مثل (الشوكة- مغناطيس- قلب القش ....الخ) وأصابهم الضجيج والصخب دون جدوى عدة ساعات الى أن حان وقت الغذاء .
وفى أثناء تواجدهم خارج الورشة لتناول الغذاء دخل شاب صغير السنّ ثم خرج بعد مدة قصيرة وفى يده الساعة الثمينة. نظر الجميع إليه باستغراب شديد ثم سألوه كيف وجدتها....كيف؟! أجابهم قائلاً:" لم أفعل أمرًا خارقًا، كل ما قمت به أنني أنتظرتكم حتى تنتهوا جميعًا من الضجيج وجلستُ فى هدوء وظللت أسترق السمع حتى التقطت أذناي صوت دقات الساعة".
الحكمة: إيها القارئ العزيز ما أحوجنا اليوم الى الهدوء وسط صخب العالم ومشاكله وحروبه. نبحث عن الرب يسوع ونقول متحججين لم نجده، بينما فى جلسه هادئة، وبسمع واصغاء مرهفين لصوته، ستسمعه ينادي أنا هنا يا حبيبى، يا بُني، أنا هُنا يا أبنتي.
كثيرون منا فقدوا ماهو أكثر بكثير من الساعة؛ فقدو علاقتهم بالرب يسوع المسيح وحرموا أنفسهم من تعزيات وقوة الروح القدس .وأخذ يجتاح حياتهم الضوضاء والفوضى والعبثية. لقد إنحرفوا وتلهوا عن طريق يسوع .
خصص قلّما يكون ربع ساعة يوميًا للهدوء وللجلوس مع الذات والحوار مع الرب، فانك بقدر ما تصمت وتلتقي ذاتك، بقدر ذلك ستنمو بانسانيتك وروحيتك وستتسم علاقتك مع الآخَرين بالشفافية والعمق.
ربنا يدعونا إلى الهدوء والتأمل والصلاة "وأنت متى صليت فادخل مخدعك" ( متّى 6/6). نعم نحن اليوم فى حاجة ماسة إلى الهدوء .فإنك بقدر ما تصمت وتتأمّل وتراجع ذاتك وتُصلي، بقدر ذلك ستنمو في حبّك وفهمك الله. أصمت وأبحِر إلى عُمقك ستكتشف أنّ ذاتك أعز صديق وأنك في حضور الله.
يقول يوحنّا ذهبي الفم: " صديق السكون يدخل الى حضرة الله وإذ يحادثه سرًا يستنير بنوره". وأقول أنا بدوري في مسك ختام هذه القصة: لا من عمل فيه بركة وإبداع وسلام، إلاّ سبقه صمت واختلاء وتفكير وتأمّل وصلاة ولقاء وحوار مع الذات ومع الرب. فالهدوء والصمت نور، وبنوره تستنير كلماتنا وأفعالنا وحياتنا وصلاتنا.[/size]