ماذا تُريد وتتمنى؟
الأب يوسف جزراوي
يحز في قلبي عندما أسأل إنساننا اليوم وعلى وجه الخصوص الشباب منهم وبالذات في ظروفنا الراهنة القاهرة ولاسيّما الذين شدوا الرحال إلى دول الجوار في محاولة للهجرة لبلاد الغرب: ماذا تريد، وبما تطمح وما هو هدف حياتك؟ فتأتيك الاجابات وللأسف سطحية مقتصرة على المظاهر والعيش اليومي والماديات؛ اي القبول بحياة روتينية تقليدية، وشغله الشاغل السفر وعلاقات سطحية، ان لم أُقل زواجات نفعية وصولية، ناهيك عن الجنس والمتعة، وكيفية قضاء الوقت والتمتع بالحياة، مستسلمين راضخين، فباتوا أُسراء واقعهم !
ولعل ما لا اطيقه في هذه الحياة هو ان يكون الإنسان، إنساننًا عاديًا ، محدود الطموح لا يعرف ان يتجاوز إحتياجاته ، قصير النظر، فاقد الهدف ، قاتلاً للوقت، لا يعي ذاته والحياة ليغدو رقمًا عابرًا في الحياة.
ليست غايتي هنا التعالي والتكبّر، إنما التأكيد على التميّز والفرادة والخصوصية الذاتية . بمعنى أن يجعل الإنسان من نفسه قيمة وجود . فالمسالة مسالة تحقيق ذات .
ربّ قارئ لا يوفقني الرأي فيعترض قائلاً: ألا زلت تعيش على عقلية أيام زمان، فالحياة تبدلت والظروف تعقدت والزمن تغيّر ونحن في زمن العولمة، زمن أباح للإنسان كل شيء. ثم يتحجج بالوقت؛ فوقت عمله طويل وإلتزاماته كثيرة وظروفه قاهرة وصعبة، وهو بحاجة إلى مُتنفّس كي يُرفّه عن ذاته.
نعم أعطيك (شيئًا) من الحق، ولكن تصفحوا الأدب العربي والعالمي ستجدون أن مُعظم عباقرة العالم كانت ظروفهم أصعب وأقسى! فأولائك عاشوا ظروفًا صعبة ؛ لكنّهم بحكم تلك الظروف عاشوا ولاداتً جديدة. نذكر على سبيل المثال العالم الإجتماع العراقي على الوردي والأديب المصري نجيب محفوظ والناقد رجاء النقاش والفيلسوف الأماني هيغل والاميركية هيلين كلير.. وغيرهم كثير! لذا جُلّ ما أتمناه ألاّ نتخذ من الظروف حججًا لنهمل تقيّم الوقت عدم تقيّم مواهبنا وبنيان ذاتنا وتثقيفها وتحقيقها.
أخيرًا.. دعوة لكل إنسان لعدم إضاعة وقته وقتله بإمور ثانوية سطحية؛ فإننا نعيش لمرة واحدة . وعَظمة الإنسان تتجلى متى ما عرف أن يكشف ذاته ليلتزمها ويجعلها منارة اشعاع ليوظّفها لخير الآخرين، لأنه متى عرف الإنسان ذاته سهل عليه أن يعرف مَاذا يُريد ويتمنى، حينها سيكون طاقة إبداع.