لا تحجموا الإنسان بماضيه
من كتاب قصصر وحية وإجتماعية للأب يوسف جزراوي - هولندا 2009
[color:0161=red]كان أحد الرهبان يُبشر برحمة الرب وخلاصه في أماكن تُكثر فيها الخطيئة والفساد، (بيوت القمار والملاهي الليلية وغرف تعاطي المخدرات....). وذات يوم وبينما هو خارج من هذه الأماكن شاهده أحد الأشخاص فأوشى به إلى رئيسه في الدير، فأرسل هذا الأخير بطلبه وراح يتحقق منه عن صحة ما سمعه. فأجاب الراهب وبكل ثقة، نعم أنا أتردد على تلك الأمكان لأنقل بُشرى الخلاص لهم، إذ ليس الاصحاء بحاجة إلى طبيب، بل المرضى. فيسوع جاء لمثل هؤلاء الناس. سكتَ رئيس الدير ثم علق قائلاً: ألا تخشى على سمعتك واسمك وعلى سمعة ديرك؟ أجاب الراهب: حسن للتلميذ أن يكون مثل معلمه. فيسوع لم يعر إهمية لكلام الناس، بل كان جُلّ اهتمامه مساعدة مثل هؤلاء الأشخاص.
أجاب رئيس الدير: ولكن يا أخي ...فقاطعهُ الراهب في الحال وقال: لا تنسى يا أخي أن من سيحاسبنا في نهاية الحياة هو الرب وليس الناس، وليتك لا تنسى أيضًا أن مثل هذه الفئة من الناس(الضائعة) هي امانة في اعناقنا، فلماذا الخوف من تبشريهم وتخليصهم بأسم الرب يسوع؟!
عَدل الأنبا عن رأيه وشجع الراهب على مواصلة رسالته هذه.
مرت الأشهر لينتشل هذا الراهب مجموعة أشخاص وبضمنهم سيّدة من عالمهم الخاطئ إلى عالم المسيح المُحرر من قيود الخطيئة، وباتوا من المواضبين على الصلاة والاشتراك في القدّاس. وذات يوم وبعد أنتهاء القداس بدأ الناس ينظرون إلى تلك السيّدة نظرة سيئة ملؤها عدم التقبل، ثم تمتموا فيما بينهم: "إنها كانت من بنات الليل وكيف لها أن تأتي إلى الكنيسة؟ كانت في الماضي القريب زانية خاطئة.... وهل من المعقول أن يجتمع في الكنيسة مثل هذه النماذج السيئة".
سمعت السيّدة كلامهم فأجابت قائلة: "أنكم لا ترحمون ولا تجعلون رحمة الرب تحل على الآخَرين!"ما باُلك تنظر القذى الذي في عَيْن أَخيكَ وَلاَ تفطنُ للخشبةِ في عَيْنيكَ"(متّى 7: 3).
كنتُ زانية، فلامستني نعمة الرب فتغيرت حياتي، وقبل الرب توبتي. ألم تكن المجدلية زانية؟ لكنه لم يكترث لماضيها، فكانت هي من التلاميذ، واستمرت في تباعته إلى النهاية! فنجدها تحت أقدامه في الصلب، وهي أول من تذهب لزيارة القبر في اليوم الثالث، وأول من يظهر لها الرب، طالبًا منها أن تُخبر التلاميذ انه يتقدمهم نحو الجليل، وهي أيضًا أول من بشّرت التلاميذ بقيامة الفادي يسوع!
سكتَ الجميع وانسحبوا بهدوء .....متذكرين كلام المسيح:" أبني هذا كان مَيتًا فعاش، وضالاً فوجد"( لوقا 15: 24).
الحكمة: إنه الرب يسوع الذي يعلمنا ألاّ نحجم الإنسان بماضيه وخطيئته. لذا ليتكَ يا قارئي العزيز لاتتمسّك بماضي الإنسان بـ (ارشيفه) بل بحاضره. فنحن أبناء الحاضر، فلا تتمسكوا بخيوط الماضي للآخَر، لان الحياة لا بل الإنسان في نمو وتقدم للأمام وليس رجوعًا للوراء.
"إنه هكذا يكون في السماء فرحٌ بخاطىٍ واحدٍ يتوب أكثر مما يكون
بتسعة وتسعين صديقًا لا يحتاجون إلى التوبة"( لوقا 15 : 7).