عرفتهما ضمن أعضاء إحدى أخويات المحبة والفرح التي تُعنى بالمُعاقين، حيث كنتُ ألقُي عليهم محاضرات في إحدى كنائس بغداد قبل بضعة سنوات. جمعهما حُبّ صادق، وشأت الصدف أن ألتقيهما في دمشق إبّان خدمتي لكنيسة القديسة تريزا للكلدان، فكنتُ مُرشدًا لعلاقتهما التي هزتها وأوشكت على إجهاضها إعتراضات الأهل، ومُنغصات الغربة وتدخلات أصحاب النوايا السيئة. لكنّهما تعاهدأ أن يكون أحدهما أمينًا للآخر، ويسندان ويقويان بعضهما البعض رغم كلّ الظروف والأزمات. مرّت الشهور وبعد مساعي حميدة مع ذويهما، باركتُ خطوبتهما، ولكن يا فرحة ما تمت! فالفرحة لم تدم طويلاً! إذ إن الفتاة إستلمت (فيزا) السفر مع عائلتها إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، أما الشاب فظلّ في دمشق ينتظر مُساعدة العناية الإلهية.
ومع مرور الزمن وإبتعاد المسافات، جفَّ نبع الحبّ، فالفتاة عملت بالمثل القائل:" البعيد عن العين، بعيد عن القلب". ومع بعد المسافات، تباعدت القلوب وفترت المحبة، إذ نست الفتاة أو تناست خطيبها وعهدها مع من أحبت، لتنقضي 6 شهور بطولها دون أن تراسله أو تكلمه هاتفيًا، بحجة أن أهلها مارسوا عليها ضغوطات لكي تتركه، وكذلك لعدم توفر وسيلة الإتصال في المجتمع الجديد، فكان عذرها أقبح من السبب! وكأنها تعيش في الشيشان وليس في أمريكا أُمّ الدنيا والتكنولوجيا والإتصالات!
ولما عاودت الفتاة الإتصال به، أبلغته لأن يُبذل قصارى جهده ليلتحق بها إلى أمريكا، وأن تعذر عليه هذا، فإنها سوف ترى حياتها وترتبط بإنسان ثاني! وبعد مد وجزر بين الطرفين، تولدت شكوك لدى الشاب، بل إحساس غريب إنتابه مفاده: إن خطيبته تخونه! فرائحة الخيانة لا يشمها إلا المُخلصين!وذات يوم صارحها بالآمر، وبعد تهرب ونكران، إعترفت الفتاة بفعلتها، إذ إنها مُرتبطة بعلاقة حبّ مع شاب ثاني يزيدها نحو 10 أعوام!! ولما سألها صاحبنا:"لماذا خنتي نفسك وخنتي عهدنا؟ ولماذا تتصلين معي"؟ فكان جوابها لا يعقله عاقل الفكر:"إنني خُنتك لأنني أحُبّكَ"!!
في تلك الأثناء كان الشاب قد وصل مع عائلته بواسطة منظمة الهجرة الدولية (IOM) إلى باريس، ولما عرض عليّ تلك الفاجعة، إنتابتني صدمة!لم أُصدق ما سمعت! حينها أتصلتُ هاتفيًا بالفتاة، فأكدت لي الموضوع! وهي نادمة على خيانتها وتطلب المُسامحة. ضاق نَفَسي وكأن صخرة جثمت على صدري، لأنني كنتُ عالمًا بعمق تلك العلاقة، فقد حصل ما لم يكن في الحسبان. ولكن من منا بلا خطيئة؟!
بعد عتاب مُتبادل بينهما، وتجريحات كلامية وآتهامات لا تُحصى، وتعليلات للخيانة بحجة الظروف والأهل، نعتها خطيبُها بالرخيصة الخائنة، ورفض أعتذارها وندمها.. ومع الوقت وبواسطة الصلاة وتروّيضي له، ذاب جليد الغضب في داخله، وأنضمد جرح خيانتها، فقرر مُسامحتها، وأن يستسلم لحبّه، وأن الذي يجمعه معها أقوى من أي خطئ أو زلة ، أيمانًا منه، هل من إنسان كامل بلا خطئ وخطيئة؟
فرحتُ جدًا لموقفه هذا، وشعرتُ أن روح الرب غسلت جرح الشاب. ولما أتصل بها هاتفيًا، مبلغًا إياها بأنه سامحها وقبلَ أعتذارها قائلاً لها: سامحتُكِ لأنني أحبّكِ. إعتذرت الفتاة وطلبت منهُ عدم الإتصال بها مُجددًا، لأن الوقت قد مضى، ولأنها مُرتبطة الآن، ولا تود أن تخسر الشابّ الذي يود التقدم لخطبتها، وسوف ترسل له (خاتم الخطوبة والذهب).
تدخلتُ مرة أخرى لمُعالجة الأمر، فسألتُ الفتاة: هل تُحبين الشاب الثاني؟أجابت على الفور: كلا! وهو على علم بذلك! وفي بعض الأحيان يزل لساني فأتلفظ بأسم..(حبيبها الأول)!! قلتُ لها: ولماذا إذاً أنت مُستمرة معه؟ فأجابت على الفور: إنها تخون حُبًّا في حبيبها الأول وإنتقامًا منه ومن أهلها في الوقت ذاته!! فقد وقفوا حجر عثرة في طريق هذا الحبّ، ودمروا حياتها.
من جهتي ككاهن أنظر إلى الحادثة من منظار الخبرة، ومهما كانت الظروف والأسباب، فإن الفتاة خانت العهد مع نفسها ومع خطيبها، لأنها تمتلك تلك الرغبة، فكلّ سلوك له أرضية يُبنى عليه، ولخيانتها أسباب ورغبات تكمن في داخلها، وهذه كانت رغبتها. فكان لها ما تُريد إذ تركها صاحبنا لعالمها الرخيص، ولا يزال لليوم يُعاني من جرح ليس من السهولة أن يندمل. وقد أرسل لي هذه الكلمات التي خطتها أنامله يرثي فيها حاله ويُعاتب بكلمات، إنسانة كانت في يومًا ما نصفه الآخر: "قصتي معكِ أنتهت بواقع أليم وأنكتبت بخط حزين..آه لو كان للحبِّ تأمين، لطالبتُكِ بربع السنين، وأن تعيدي لي الدمع الذي نشف من العين".
عزيزي القارئ ألا ينطبق على الأخت الخائنة مقولة جبران بقوله: "يغمسون أقلامهم في دماء قلوبنا ثمّ يدَّعون الوحي والإلهام"؟!