ماذا لو كان حقيقة ؟!
الأب يوسف جزراوي
كانت ليلة حالكة السواد وأنا آتيه لوحدي في شوارع بغداد الحزينة، أسير وليس في فكري مكانًا معينًا أمضي إليه أو أسترخي فيه. شاردًا في ذهني ونظري إلى الأرض،أركل وأقذف بقدمي كل شيء أراه أمامي من حجر أو علبة....، وإذا أقذف بقدمي حقيبة يدوية صغيرة! ترددت في بادئ الأمر من فتحها خوفًا من أنها تحمل موادًا مفخخة، ولكن حُبّ الفضول دعاني ودفعني إلى المغامرة وفتحها، وإلاّ أرى فيها مبلغًا لا بأس به من المال! فباتت الأماني تتزاحم في القلب....! هل أشتري به ملابس؟ لكنها كثيرة والشكر لله، أم أشتري كتب؟ أم أخزنه، أم..؟
لكنّني أرتايتُ أخيرًا أن أشتري به بعض الكتب التي تنفعني في دراستي وحياتي ورسالتي وخدمتي.
في صباح اليوم التالي ذهبت مع أحد الأصدقاء إلى شارع المتنبي لشراء بعض الكتب. ونحن هناك إذ كُنّا نقلب في الكتب الفلسفية إذا بامرأة تحمل بيدها طفلاً رضيعًا تنادي قائلة: ساعدوني، أحسنوا اليَّ، ثم أتجهت نحوي قائلة: أعطني يا أخي مما أعطاك الله، فتجاهلتُها وعدتُ لتقليب الكتاب الذي كنت أتفحصه .
وفي موضع ثانٍ رأينا هذه المرأة من جديد تنادي ساعدوني لا من أجلي، بل من أجل هذا الطفل الرضيع لأجري له عملية. فأعطينا لها مبلغًا بسيطًا من المال. لكنّ حزَّ في قلبي أن أتجاهل تلك المرأة، لان دعوتي ورسالتي، بل حياتي هي للآخَرين وتحديدًا لمثل هؤلاء الناس....وشعرت حينها أن شيئًا في داخلي يدفعني لإعطاء الحقيبة بما فيها من نقود إلى هذه المرأة. فتوجهت نحوها قائلاً: خذي يأمرأة مما أعطاني الله!
حينها صحوتُ من النوم على أنغام جرس منبه ساعتي في الكنيسة ورأيت نفسي على سريري وليس في شارع المتنبي! كان حلمٌ، نعم مجرد حلمٍ، فضحكتُ بشدة....ورحتُ أتسأل: ماذا لو كان الأمر حقيقةً، هل سأفكر بالأشياء المادية والكتب وأنسى الفقراء، أم سأفعل مافعلته في الحلم وأعطي الحقيبة بما فيها من مال؟ وأنت ياقارئي العزيز ماذا ستفعل؟
جُلّ ما اتمناه أنّ لا ننسى جميعنا أخوتنا المحتاجين وأن نسندهم بأي شيء كان، وحسب إمكانياتنا.
الرب لا يطلب منّا المستحيل، بل يطلب مِنّا إعطائهم مما أعطانا هو من خيرات ونعم وبركات...
وفي مسك الختام إليكم مقطعًا أقتطفه مِن قصيدة مميَّزة كتبها المُفكَّر الإيطاليّ لويجي غريزوني Luigi Grisoni عرّبها المطران بطرس مراياتي، جاء فيها:
" عندما أرفع يَدي إلى الله في نهاية النهار أجدهما قد امتلأتا لا بما أخذتُ من الناس، بَل بما أعطيتهُ للآخَرين ".
الحكمة: أخوتي أخواتي القُرّاء، الفُقراء امانة في اعناقنا، فنحن بقدر ما نكون أغنياء، بقدر ذلك تكون مسؤوليتنا أكبر تجاه المحتاجين. ولنعطي الفقراء الأولويَّة في حياتنا لأنهم يساعدونا على التقدّم في علاقة الحبّ مع الرب والقدّاسة.
"كنتُ جائعًا فأطعمتموني،وعطشانًا فسقيتموني، وغريبًا فآويتموني" (متّى 25 :35).
متى أحسنا مُشاهدة إخوتنا سنرى وجه الله.