الجسد الذي نعيش فيه جسد مقدّس؟ لماذا؟
• إنه من صُنع يد الله، إنه خليقة الله الذي رأى كلّ شيء حسنًا.
• إن السيد المسيح تنازل وأخذ جسدًا مثلنا وإن كان خاليًا من الخطيئة. " الكلمة صار جسدًا وسكن بيننا"(يوحنّا 1: 14).
• إنه مقدّس لأنه مسكن الإله: ألا تعلموا أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس.( 1 قور 6: 19).
• إنه مقدَّس إذ يتقدّس بقبول الأسرار المقدّسة.
• إنه مقدَّس إذ يشترك في تمجيد الله بالصلوات والشعائر الدينية. فإننا نمجِّد الله بأفواهنا إذ نرنم ونمجِّده بركبنا إذ نركع....( السجود).
• إنه مقدَّس لأنه سيمجد يومًا في القيامة.
• إنه مقدّس لأنه لغة الحب بين الزوجين.
• إنه مقدّس لأنه يواصل عملية الله في الخلق.
• الجسد مقدّس وله كل الإحترام، ولاسيّما في الحياة الزوجية والعلاقة الزوجية.
الجسد يتخذ بُعدًا وعمقًا إيمانيًا عند القديس بولس، فالجسد هو (شهوة)، وللجسد ثمار. " أما أعمال الجسد فأنها ظاهرة، وهي الزنى والدعارة والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوات والشقاق والحمية والغيظ والدسيسة والخصام والتشيع والحسد والسكر.." (غلاطية 5/19). وفي موضع أخر من نفس الرسالة ينصحنا بولس الرسول قائلاً: "أسلكوا سبيل الروح ولا تقضوا شهوة الجسد، لأن الجسد يشتهي ما يُخالف الروح، والروح يشتهي ما يُخالف الجسد، ، كلاهما يقاوم الآخر، حتّى أنكم تعملون ما لا تريدون"(غلا 5/16-17).
عندما يُكلمنا الكتاب المُقدّس عن الزواج يُشير إلى أن الزوجين يصيران جسدًا واحدًا. فكلمة جسد هنا تشير إلى الإنسان بكامله وليس فقط من الناحية البيولوجية. تعني هذه العبارة أنهما يصيران كيانًا بشريًا واحدًا. ومن هنا إن المحبة الحقيقية المبنية على الإحترام المُتبادل بين الزوجين لا تقتصر على ناحية دون أخرى..فالإنسان يحترم شريكة حياته الزوجية روحًا وجسدًا. العلاقة الجنسية بين الزوجين ليست وظيفة بيولوجية أو وظيفة غريزية حيوانية، بل هي علاقة محبّة،علاقة عطاء مُتكامل بين كائنين إنسانيين(مشاعر وأحاسيس وأفكار ونظرات وكلمات..) وليس اتحاد أجساد فقط. وعندما يقول القديس بولس في رسالته إلى أهل (قورنتس 7: 4 )"ليس للرجل سلطة على جسده، بل امرأته، وليس للمرأة سُلطة على جسدها بل رجلها" فهذه الآية لا تُشير إلى الناحية البيولوجية فقط، بل إلى الشخص بكامله.
إننا لانستطيع أن نسميّه حبًا ذلك الحبّ الذي يبحث فيه الإنسان عن تحقيق اللذة، فيسعى إلى التمتُّع بالشخص الآخر كما يتمتّع الإنسان بشيء معيّن..وليس بحبٍّ هو الذي يستغلّ الآخر لإرواء غريزته..فما ذلك كله إلا تستُّرًا لما يُسمى أنانية وحبّ الذات. بدون شك هذا النوع من الحبّ المبني على العطاء المُتبادل، هذا النوع من الحبّ يتطلّب تضحية وبذل النفس..هذا النوع من الحبّ يقودنا من الاستيلاء إلى العطاء..من الحبّ المُنطوي إلى الحبّ المبذول(الخروج من شرنقة الذات). من هُنا نفهم أن الزواج لا يفتح باب المُتعة والراحة، بل باب الصليب وطريق الحدّ من الأنانية وحبّ الذات. فلا بدَّ إذاً من انسنة الأهواء، وأن نؤنسن ماهو طبيعي فينا.
حسنٌ لنا الاستشهاد بما كتب لنا المطران حميد موراني عن الجسد في كتابه الإنسان وفعل الروح: "نجد أن للجسد معاني ووجوهًا عديدة مُتناقضة، يكتشفها الإنسان في حياته. يكتشف الجسد تارة كرعشة حبّ، وطورًا كشهوة عمياء عنيفة، يختبره تارة كهيكل الله، فيه الطمأنينة العميقة والصمت، وتارة كقوة جامحة لا يضبطها ضابط، فتُكسر كلّ شيء وتتكسر معًا. يختبره صدرًا مُنفتحًا وبسمة تنتظر، ورأسًا ينحني محبة ولقاء، كما يختبره يدًا تذل، ونظرًا يرفض، وبطنًا يبتلع كُلّ شيء..كل هذا يسكن في الإنسان، وبتالي لا عجب أن بدأ الجسد وهو أقرب الأشياء الينا، بعيدًا عنا أيضًا وغريبًا. نحبّه ونلتصق به التصاقنا بالوجود، لكنّنا لا نفهمه ولا نضبط علاقتنا به، إنه يفلت دومًا من يدينا، وقد يصل الأفلات حتّى حدود الغربة..".
الكنيسة ترفع من شأن الجسد لكونه يُشارك في الصلاة. إنه ينتصب أو يسجد وينحني امام جسد الرب في القداس وأمام القربان المُقدس وأمام الإيقونات ويقبلها. يشترك في العبادات بكل حواسه: يُعمذ بالماء ويدهن بزيت الميرون. يُعطى مسحة المرضى بالزيت. يشم البخور يستمع إلى الألحان وليس فقط الى الكلمات، وفي بعض الكنائس في افريقيا يُمارس الرقص الديني في حضرة الله. يرسم المؤمن إشارة الصليب على جسده ويبارك الكاهن بالإشارة نفسها المؤمنين..كل ذلك للدلالة على إن الجسد يصبح لغة في الكنيسة، كما سيصبح لغة بين الرجل والمرأة في الحياة العائلية. هكذا أيضًا يصبح لغة في المُصافحة أو القبلة بين الأصدقاء والمُحبين والمتزوجين. وهو لغة في الرقص الإيقاعي، وفي الرياضة البدنية.
الأب يوسف جزراوي