أحلمًا حلمتُ أم طيفًا رأيت؟
[color:c117=red]قبل غروب شمس هذا العام وبزوغ فجر عام جديد، فضلتُ أن أحتفل بالصلاة أولاً مع مجموعة من الأفراد، و رفضت كل الدعوات والولائم، وبعد تأمل قصير غرقتُ بنوم عميق، فحملتني الأحلام على أجنحتها وأنا أستعد لعبور سنة 2009 إلى 2010 .
كان حلم، ربّما كثيرون رأوه قبلي، إنه حلم الإنسانية جمعاء، فلا ضير أن أرويه لكم:
سمعتُ نشيد قُدّوس- قُدُّوس- قُدُّس الرب الإله، ورأيتُ جمعًا كثيرًا لم أستطع أن أحصيه، من كل صوب وحدب وشعب ولسان ولون، فميزت بينهم شهيد كنيسة المسيح الأب رغيد كني، وهو يبتسم إبتسامته البريئة المعهودة. كانوا لا بسين حُللاً بيضاء بأيديهم سعف النخيل وهم يرنمون بصوت عالٍ شجي، فيقولون:" المجد لك أيها المسيح ....أبن الله..".
حلمت بأنني لم أجد وثنيًا على الأرض. لم يبقَ مُلحدٌ ولم يبقَ إنسانٌ لا يعرف الله، إله يسوع المسيح.
رأيتُ في الحلم صبيانًا وبناتًا يرعون القطيع معًا في الحقول.
يا للعجب! رأيتُ الذئب يسكن مع الحَمل، ويربض النمر مع الجدي، البقرة والدب يرعان معًا! ويلعب الرضيع على حجر الأفعى!
رأيتُ كيف تحوّلت الثكنات العسكرية إلى مستشفى ومدارس. رأيت الصبات الكونكريتية التي تحيط ببغداد تحولت إلى حدائق خضراء ومتنزهات.
وكيف تحولت العبوات الناسفة والصواريخ إلى معاهدات صلح وسلام.
وكيف تبدّلت طائرات الشبح والاباتشي الحربية لتصبح طائرات تروي الحقول والبساتين، وحوّامات تسعف المنكوبين.
حلمت أن الحدود أضمحلّت بين الدول، فلم تبقَ أرض مغتصبة، ولم يبقَ مُشرد ومُهجر ولا مستعمر.
حلمتُ أن الوحدة سادت الكنائس، فلم يبقَ كاثوليكي، أو أرثوذكسي، أو إنجيلي.. وزالت كل البدع والشيع والهرطقات والفرق..وتبادل الجميع سلام يسوع قائلين لبعضهم البعض: السلام معكم.
حلمت أن الشيخ العجوز الذي أعتلى سلطة الحكم عنوة وبطرق غير شرعية، تنازل وسلم دفة القيادة، لمن هو إكفاء وأنزه منه روحيًا وثقافيًا وإداريًا..
حلمت ان كنيستي ألتم شملها، ولم يبقَ فيها لا محسوبيات ولا تمييز عشائري..
حلمتُ أن السلام أستقر في نفوس البشر، فغدى عالمنا مُسالمًا، وغدت البشرية عائلة واحدة.
وغدت الأرض الكبيرة قرية صغيرة بفضل وسائل الأتصالات الحديثة، فلماذا لا نجعل البشرية عائلة مسكونية يشعر أفرادها ويلمسون لمس اليد بأنّهم إخوة وبأنّهم أبناء الله الواحد، الذي تجسد بيسوع المسيح، إله لا يعرف سوا الحبّ والخير؟ لماذا؟!
حلمتُ أنني وجدتُ توأمي، فغدوت له شمعة تشتعل وتتوهج لتنير دربه، فكان يشعر بكيانه ما يجول بداخلي من أفكار ومسرات وآلام، فيسألني عنها قبل أن أبوح له بها!
حلمتُ أن ألتقي بعائلتي بعد سنوات من الغربة والفراق. حلمتُ أن يعود كلّ مُغترب إلى حضن أمه، وكل زوج إلى حضن زوجته، وتلتقي الأخت أخيها ويعيش الجميع فرح اللقاء!
حلمت إن كل إنسان عثر على نصفه الآخر- الضائع، فيعيش جميع المتزوجين زيجات يتخللها الحبّ والسلام والإنسجام وعمق الروح.
حلمت ورأيتُ آلافًا من الناس يرقصون سلامًا ويتكلمون بلغات عديدة ولكنهم يتفاهمون. حلمت أن الإنسان يفرح بنجاح وتميز أخيه الإنسان، ولا يكسره ويشوه صورته بدافع الغيرة والحسد. حلمت أن الإنسان يساعد أخيه الإنسان من دون حسد، أو مصالح، وبدون مِنة،وبدون نميمة وتشهير.
رأيت في الحلم المرأة تعيش بمساواة وبكرامة إنسانية، ولم يبقَ هناك فرق وتحقير بحق المرأة.
فجأةً صحوتُ من الحلم، ويا ليتني لم أصحُ! لقد عدتُ من الملكوت إلى الأرض، وآسفاه كَان حلمًا ..يا للأحلام! ففي عالم الأحلام كلّ شيء جميل!
أستيقظتُ من الحلم وبدأ أبحث في زوايا غرفتي، فلم أجد ألا شمعة مشتعلة بجانبها قلم وورقة، فكتبتُ فيها هذه الكلمات في ليلة إنتهاء عقد من الزمن من الألف الثالث الميلادي:
يا رب أحلمًا رأيتُ أم طيفًا؟ إن الطيف يبقى خيالاً، أما الحلم فقد يتحوّل حقيقةً. أَوَلم يبدأ صعود الإنسان إلى الفضاء بحلمٍ جميل؟!
أمنيتي يا رب أن يصبح هذا الحلم حقيقةً، فتصل بشرى الحبّ(الإنجيل) إلى جميع المعمورة، لتعرّف الناس قاطبةً يسوع الخلاص.
أمنيتي أن ينشد جميع البشر المُسامحة والصفح، فيسود السلام. ولا يبقى فرق بين دول العالم، ليعيشوا جميعهم بمستوى واحد.
أمنيتي أن تكون أعوامنا القادمة أعوامَ سعادة، لا سعادة وقتية، عابرة مبنية على الأنانية واللذة والمصالح الشخصية، وإنّما سعادة الفرح الداخلي، فرح يولد مِن نقاوة الضمير ومصداقية الإنسان، وعمق العلاقة مع الله.
كثيرون يقولون لي: يا أبونا لماذا هناك فقراء في العالم؟ فأجيب: لأنَّ مُعظمنا لا يعرف أن يتقاسم خيراته مع الفقير، واليتيم، والمريض، والمعوّق، والعاجز، والحزين، والمحتاج..
عزيزي القارئ لنبدأ حولنا .. عسى الحلم يتحوّل إلى حقيقة، فنطبق إنجيل المسيح لا بالكلام بل بالمَثل الصالح. وسنعيش إنطلاقًا من كلام المسيح في أعمال الرُسل:"السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ"( أعمال 20/35).
جميعنا يرجو السعادة. والسعادة تشبه ماءًا عذبًا يسيل يروي ظمأ الآخرين. قلتُ يسيل لأنَّ الماء المحفوظ في القارورة يفسد، وأمّا الماء الفائض مِن الينبوع فيبقى صافيًا عذبًا، لذيذًا أبدًا.
وهنيئًا لَمن يصير نبعًا يستقي منه الآخرين، وهنيئًا لمن يكون شمعة لأخيه الإنسان، حينذاك يصبح الوميض نور، والنور شرارة، والشرارة نارًا، والنار لهبًا، واللهب شمسًا تُضيء طريق السالكين في الظلمات وتقودهم إلى نور المسيح.
بهذه الأمنيات والمعاني النبيلة إستقبلت شروق شمس عام 2010.
الأب يوسف جزراوي
الخميس ديسمبر 02, 2010 12:50 am من طرف الأب يوسف جزراوي
موضوع: أحلمًا حلمتُ أم طيفًا رايتُ؟ 
