عيد إنتقال العذراء مريم
كان أحد الأساتذة وهو يحمل دكتوراه في علم الفلك يتنزّه في مركب مع صياد في رحلة مائية، وعندما أصبحا في منتصف البحر، بادر الدكتور بالسؤال لصاحب المركب في محاولة لقضاء الوقت والتسلية قائلاً له: أتعرف شيئًا عن علم الفلك والتنجيم؟
صاحب المركب: لا يا أُستاذ. أجاب الدكتور: أ قلت لا!! وراح يضحك ويُهرّج بشدة وههههه.....وسأله من جديد: وماذا تعرف عن الفلسفة؟ أجاب صاحب المركب:لا شيء....فرد عليه الدكتورمستهزءًا: لقد فقدتَ معنى حياتك يا ولدي! ولم يبقَ لك إلاّ ربعٌ من حياتك يا مسكين، وأستمر في الضحك عليه. وفي ذات اللحظة، هبت عاصفة هوجاء عصفت بالمركب وبدأت تدفعه للغرق، فبادر صاحب المركب بسؤال الدكتور: نحن نغرق يادكتور، أتعرف السباحة؟ أجاب الدكتور مرتعشًا خائفًا: كلا كلا. أجاب صاحب المركب: أعتقد يا دكتور أنك قد أضعت كلّ حياتك!
فصرخ الدكتور يا مريم....يا ملكة السماء أنقذينا...يا شفيعتنا حنّي علينا، يا أُمّ المُخلص أطلبي من أبنك أن يخلصنا.....ولم تمر إلا لحضات ووقفت العاصفة! فأخذ الدكتور يسأل صاحب المركب: أ تؤمن بالعذراء مريم؟
أجاب صاحب المركب: نعم، بالتاكيد. رد عليه الدكتور: لقد ربحت حياتك كُلّها.
أجاب صاحب المركب : أمنتُ فخلصت.
بعض من المسيحيّين وللأسف يدعون، وربّما يؤمنون أن العذراء مريم انتهى دورها، بعد أن قدمت المسيح للبشرية وأتممت رسالتها على أتم وجه. فما الحاجة إليها اليوم، وما الدافع للتوسط لديها وطلب شفاعتها؟! وبعض اخر يتنكر لها ولدورها، ويرى اكرامها باطلاً!!
لستُ متفقًا تمامًا مع أصحاب هذا الادعاء، فالأُم لا ينتهي دورها، وإلا تخلى البشر عن أمهاتهم! فليس من المعقول ولا من المقبول التفكير بمثل تلك الطرق الخاطئة.
قيل: "إذا أردتَ مِن رَجلٍ أمرًا فاذهب إلى أُمّه". لأنّ الأُم لا تُردّ خائبة. وهذا ما حدث في عُرس قانا الجليل حين تدخّلت مريم أُمّ يسوع. فأهل العرس لم يأتوا إلى يسوع مباشرةٍ، بل توجهوا لأمّه مريم، فعرضت مريم على ولدها يسوع حاجة الناس:" لم يبقَ عندهم خمر".( يوحنّا 2/3). ولم يردّ يسوع أُمّه خائبة بالرغم من أنّ " ساعته لم تأتِ بَعد".
وهنا ساعدت مريم في أن يُظهر ابنها المسيح أولى معجزاته، ثم شرع التلاميذ يؤمنون بمعلّمهم يسوع. ألستم معي أن قلت: أن أمنا مريم هي التي ولّدت هذا الإيمان في نفوس التلاميذ؟ ويقول الإنجيل"هذه هي الآية الأولى التي صنعها يسوع في قانا الجليل وأظهرَ مجدهُ، فآمنَ بهِ تلاميذهُ" ( يوحنّا 2/11).
وفي مشهد الصلب، نجد يسوع يقول لأمه مريم:"يا امرأة هذا أبنُكِ ... ثم قال للتلميذ هذه أُمُّك" (يوحنّا 19: 36/37).
يوحنّا (التلميذ الحبيب) في رمزية أو لغة الكتاب المُقدّس، يرمز إلى الشعب، خاصة يسوع، كنيسة المسيح، شعب الله. بمعنى هذه إشارة واضحة بأن الرب يسوع يسلم شعبه وكنيسته أمانة لدى أمه مريم. ومن تلك اللحظة صارت مريم أُمّ البشر جميعًا، وأمّ الكنيسة كلّها، أُمّ المسيحيّين. وأُمّ جميع الذين يتوجّهون إلى الله بثقة ومحبة.
فكيف لنا لا نلجأ إلى مريم أمنا وشفيعتنا؟ وفي مسرح الحياة وعلى وجه الخصوص في حياتنا الروحية، الكثير منّا طرقوا أبواب العذراء ولم تردهم خائبين. ولمُعظمنا خبرات مع أمنا مريم، ألم نلمس لمس اليد شفاعة وعون العذراء؟ فمريم سندٌ لنا على دروب الحياة، وبالأخص في نهاية العُمر. أ لم تكن مريم واقفة عند الصليب؟ أ لم تحمل جثمان المسيح إلى القبر؟
جرت العادة في كنائسنا الكلدانية والشرقية ولا سيّما في بغداد ودمشق أن تُضع السّبحة الوردية بين يَدَي الميت المضمومتين بعضهما إلى بعض، وكأنّها أمانة نُرسلها مَعه إلى السماء لنقول للعذراء: "صلّي لأجله هو الخاطئ الآن". أ لم نُصلّي مرارًا في المسبحة "صلّي لاجلنا الآن وفي ساعة موتنا".فكَيف للعذراء أن تتركنا في ساعة موتنا إذا كانت معنا طوال الحياة؟! لا بَل ستقود حامل السبّحة إلى باب السماء.
يا أمنا العذراء مريم المُمتلئة نعمةً كوني عونًا وشفيعة لنا.