[الرجل الغني
المال نعمة الله الينا، إنه شيء مهم في الحياة ، لكنه ليس كل شيء. ومتى ما تحوّل الى اله نعبده فهنا ستكون الغمة الكبرى. في حياتي وحياتك شيء عظيم، اعظم من المال واعظم من البيت والسيّارة والوضيفة واي شيء تتصوره ، فلا تتعلق بما هو زائل . ومتى تعلقت لن تبحر بسفينة المسيح ولن تكون صيّادًا له، بل ستبقى حائرًا مترددًا على شاطئ الحياة معرضًا ذاتك للعواصف والرياح، وستمضي حزينًا لأنك لست حُرًا.
لنتأمّل مليًا بقصة الرجل الغَنيّ في (مرقس 10/17-31) الذي يُمثل إنساننا في كل زمان ومكان، سنرى هناك حواجز قد وضعها في حياته تعيق تقدمه نحو نمو حياة روحيّة مع الرب يسوع.
على الرغم من نواياه الحسنة ،إذ كان ملتزمًا بالشريعة حافظًا للوصايا ، ووجاهته الإجتماعية وثروته المادية..كان في نظر نفسه ونظر الآخرين مغمورًا ببركات الله الذي أغدق عليه خيراته لكن في قرارة ذاته كان ينقصه سلام الرب والسعادة الحقيقية....ويسأل يسوع كيفية الوصول للحياة الابدية. حدق إليه يسوع بحبّ ليحدثه عازفًا على وتره الحساس " تنقصك حاجة واحدة.... إذهب بع كل ما تملكه ، ووزع ثمنه على الفقراء ، وتعال اتبعني" (مرقس 10/21). لكنه مضى حزينًا لأنه كان متعلقًا بامواله وحواجزه.... لكن حزن يسوع كان أكبرعلى إنسان لم يعرف كيفية التخلي عن روح التعلق، وأستمر أسيرًا لغناه وعبدًا لإمواله. .
نحن كبشر غالبًا ما نكون مُكبلين بالكثير من الحواجز والقيود التي تعيق تقدمنا نحو الرب يسوع. وكثير منّا سجناء ما يملكون، فهم مصابون بهوس المال .لكل منّا حاجزه، فقد يكون هذا الحاجز ( المهنة- المادة - علاقة معينة - منصب ما - انانية - أموال وعقارات- تعصّب أعمى، وليضف القارئ حاجزه أو الصنم الموجود في حياته).
هناك الكثير من الناس يصلون ويصومون ويتصدّقون... لكنهم يعملون كل هذا من باب الواجب الديني أو الصدقة، او البحث عن اجر ولا يمتلكون علاقة صحيحة مع المسيح، ويعوزهم نعمة الرب وفرحه!
إن مالفت إنتباهي في هذا اللقاء هو أمران: الأول: نُظرة الحبّ " فحدق إليه يسوع واحبه". حُبّ يسوع يسبق الدعوة والاختيار. انه اختيار الحبّ.
الثاني: كلمات يسوع التي تُطالب الرجل الغَنيّ بافعال حازمة ( اذهب، بِع ، وزع ، تعال آتبعني) بمعنى ان تباعة يسوع والدخول معه في علاقة حبّ حقيقة ، لن تتم بدون تلك الافعال، وكأن في هذه الأفعال تكمن التباعة...! كانت ردة فعل هذا الرجل ازاء دعوة يسوع ومبادرته، ان يمضي حزينًا! لأنه كان ذو أموال كثيرة بحسب ما جاء في الإنجيل.
ونحن يختارنا يسوع بحبّ للذهاب. فإلى أين نذهب ياترى؟
نذهب لمراجعة ذواتنا وفحض ضميرنا في وقفة تأمّل صادقة ، نلتقي من خلالها الرب يسوع لتنقلب حياتنا رأسا على عقب كما حصل مع زكا العشار.
بِع: مالذي نبيعه؟ لاسيّما اؤلائك الذين لايملكون سوى رغيف الخبز!. نبيع الأشياء التي نحن مكبلون بها ومتعلقون فيها أكثر من تعلقنا بالرب. وزع: مالذي نوزعه وربما كثيرون هم في حاجة لمن يعطيهم.
ما يريده يسوع هو أن تخرج من ذاتك لتلتقيه في اخيك المحتاج والمريض والضائع، الخاطئ، أو تجده في اخيك الذي يعاني من أزمة مادية،إجتماعية ،روحية..انها دعوة لتفتح بصائرك للجياع والمتألمين والذين هم في عوز وضيق مادي وروحي وإنساني .... فيكون الآخر(الرب) هو المركز وليس الذات.
تعال إتبعني.... دعوة يسوع لابُدّ من أن تمر بتلك المراحل، وكأنها كالنار التي تنقي الذهب.فالبون شائع بين ان تكون مسيحيًا وان تكون تابعًا للمسيح، عائشًا لرسالته رغم ضعفك ونقصك وعوزك....
هَلاّ نُبحر جميعنا إلى عمق ذواتنا وحياتنا ، لابل إلى عمق الإنجيل لنكتشف الكنوز التي لا تزول ولا تفنى إلى الأبد .... فهي حاجتنا الأولى والأخيرة.
اذهب، بِع ، وزع ، تعال آتبعني.... فيها يكمن ثمة التباعة وضريبة الحبّ! هل أنت مستعد؟
[/size]