[
الإنسان يولد مرتين...
الأب يوسف جزراوي
color=red]كنا في لقاء مثقفين عراقيين وعرب ... فسألني أحدهم قراءت لك الكثير .. يا ليت أن تقول لي من أنت؟
إبتسمت بهدوء وقلت: من أنا سؤال لأزلت أبحث في ثناياه عن أجابة .... وبين الحين والآخر أطرح هذا السؤال على نفسي؟[/color]
لم يفهم سألي المغزى والحكمة من أجابتي... وأعتبره ضرب من الفلسفة والتفلسف. فوضحت له قائلاً:
لكل منا ثلاث صور عن نفسه!
قال بلهجة الأستغراب والدهشة؟ كيف هذا؟
قلت له الأولى: أنا كما يتصورني الناس.
الثانية: أنا كما أحلم وأرغب وأتمنى أن أكون( أه لو كنت كذ وكذا)
الثالثًة: أنا كما في حقيقتي.
بالنسبة لي شخصيًا: أنا كما أنا بدون رتوش على طبيعتي ولكن هناك من الناس هم نسخة من غيرهم أو يعيشون كما يُراد لهم من قبل الآخرين.
وهناك من الناس من يتصنع ويقدم نفسه كما لو كان يتمنى أن يكون....
وهناك من يقدم نفسه كما هو، لأنه يحب ذاته.
أجابني وأنت أي منهم؟ أجبته النوع الثالث.
قال كيف لك هذا؟
قلت له لأنني من المؤمنين بأن الإنسان يولد مرتين... الأولى: عندما يولد من بطن أمه.
والثانية: عندما يولد من رحم الذات.
فمتى وعى الإنسان ذاته وتقبلها سيسهل عليه غربلة كل ما أكتسبه وتلاقفه من ثقافات وتربيات وعادات فيصير مؤمنًا بنفسه واثقًا بذاته فيسير في طريق هو أختاره فيشق دربه في مشوار الحياة.
ولكن مشكلة الكثيرين منا لديهم إتكالية قتالة، فالبعض حينما يود إتخاذ قرار معين تراه يسأل المقربين عليه أو يسأل الكاهن: ماذا أفعل؟ بماذا تنصحني...؟ وكأنه يبحث عن من يقرر عوضًا عنه!وأود أن أعرج هنا على نقطة مهمة يتصور البعض أن قوة الشخصية في الإنسان تعتمد على رزانته وثقل سلوكه، واسلوبه الفوقي وقله كلامه وحديه ردات فعله. ولكن صدقوني لهذه كلها عوامل نابعة عن ضعف في الشخصية وليس عن قوتها.
ستتسألون كيف هذا؟ فأجيبكم: من يصمت او الشخص القليل الكلام ربما هناك أسباب تدفعه للصمت، منها الخوف من ردة فعل الآخرين أو ربما لا يمتلك من الجراءة لتحويل أفكاره ألى كلمات وحوار ....
والأسلوب الحاد ربما نابع من خشونة ذاته ونرفزة أعماق.
وثقل التصرفات ربما نابع من أنطوائية أو تصنع لأننا مجتمع تعود على أحترام الشخص الثقيل الرزين، فصار الهدوء والثقل عادة يتصنعها الكثيرون.
ولكن في ظني أن عمق الشخصية وقوتها نابع من الوضوح والتعمق في الذات وجراءت المواقف والقرارات ونبالة المبادئ، والعلاقة الروحية مع الرب.
قوي الشخصية هو شخص مغامر والكثيرون يخشون المغامرة، لأن فيها أبعاد مجهولة.. ونحن كناس نبحث عن ضمانات .... ولكن المغامرة تفتح لنا افاق جديدة، والجديد من سمة الحياة.
علق سألي: كلام جميل يا أبونا ولكن كلامك ليس من السهل تطبيقه على أرض الواقع.
قلت له شأنك شان الكثيرين يتحججون ويقولون من الصعب أن نولد ولادة ثانية ونغير أنفسنا ونصحح مسار حياتنا في مجتمع مثل مجتمعنا....
لنتأمل معًا إن الرب الإله عندما خلق الإنسان الأول ( آدم وحواء) قال " أنموا وأكثروا..."
هذه كأنت أول وصية ، إذًا دعوتنا هي للنمو بالذات والتكامل الإنساني، فأنك أنت من يصوغ ذاته ويحدد ملامح شخصيته في مشوار الحياة.
فالإنسان اشبه بالبذرة إذا لم تتعمق جذورها في أعماق الأرض لم ولن تنمو ولن تغدو شجرة باسقة مثمرة.
كذلك هو الإنسان إذا لم يتعمق في أعماقه ويحج إلى ذاته ويتسأل ويستثمر طاقاته الدفينة لم ينمو.
هل أنا راض عن نفسي؟
هل تعلمت من خبرات حياتي وأستفدت من أخطائي؟
هل راجعت ذاتي وفحصت ضميري ؟ هل غربلت ما أكتسبته من خلال حصيلة السنين؟
هل أنا في علاقة صحيحة مع الرب يسوع؟
هل اختبرت مفاصل الحياة من خلال بعض الخبرات وأستوعبت ما هو جوهري فيها؟
هل للرب يسوع دور فعال في حياتي؟
هذه التساؤلات يجب أن نطرحها على ذاتنا بين الحين والآخر، لأنها تساعدنا على التأمل والولادة الجديدة.
الولادة الجديدة هي أستقراء لحياتنا والأستفادة من أخطائنا والقبول بالذات كما هي والثقة بالنفس
والأهم من ذلك علينا أن نثق وأن نؤمن اننا لسنا وحدنا في الطريق بل الرب يسوع معنا.
الولادة الجديدة هي الرغبة في التغيير وتصحيح المسار.
هذه هي الولادة الثانية التي طلبها الرب يسوع من نيقوديموس.
ختامًا
كسر قيودك الداخلية، ازح مخاوفك وحقق ذاتك. الخوف يشلنا ويدفعنا لنتصور أوهامًا لا وجود لها على أرض الواقع فقط لها وجود في داخلنا. تحرر من كل ما يُعيق ولادتك المُستمرة في الحياة لكي تنمو وتثمر وتنتج، فمن لا ينتج فهو يعيش لكنه لا يحيا لذا فهو لا يستحق الخلود.
صدقوني في عمق كل منّا طفل بل إنسان جديد ينتظر الولادة وأن نظهره للعلن. لا تكتفي ولا تنغلق على ما قد وصلت إليه، فالإنسان الحي ليس له محطة وصول، وهذا هو سرّ الحياة، والإنسان الحي الفعال لا يعرف الإكتفاء، لأن الإكتفاء موت وجمود.... ونحن دُعينا للحياة والنشاط والنمو والرجاء" أتيت لتكون لهم الحياة"(يوحنّا 10 / 10).
سرّ نجاحك في الحياة يعتمد على كيفية تعاملك مع داخلك وعمق علاقتك مع اعماقك، فليكن ذاتك أعز صديق، حينها ستثق بنفسك وتستثمر مواهبك ويكون لك ولادات مستمرة في الحياة.
أسعى بأن تكون إنسان رجاء، إنسان يحلم ويطمح ويرجو ، قُل لي ما هو حلم ورجاء حياتك سأقول لك من أنت؟
أتعلمون أن صعود الفضاء أبتداء بحلم.
اأملي أن تُمجد الله من خلال ولادتك الجديدة وتحقيق ذاتك.