--------------------------------------------------------------------------------
آباءنا الأجلاّء بطاركة كنيسة المشرق...نطلب رحمة لا ذبيحة
{ يذكر العهد القديم في سفر دانيال القصة التي مختصرها بأنه وإثناء الوليمة الفاخرة التي أقامها الملك بلشاصر لأعوانه وضيوفه شاهدوا يدا تكتب بالارامية على الحائط تنبئه بأن امبراطوريته البابلية ستزول سريعا والسبب كان طغيانه المتكبر وحبه للعظمة والجاه وان الخالق يتدخل وبحسم عندما يتم الاستهزاء بالقانون الطبيعي والكوني الذي صممه من اجل مسيرة الحياة كما ارادها في ترتيبه الالهي من وراء قصده في خلق الانسان }.
يتساءل البعض من أبناءنا ويقول ( هل أصابت أمتنا لعنة التاريخ لكي نبقى منقسمين الى كنائس وطوائف أم أن هذا هو قدرنا... )، أن إيماننا المسيحي لا يعترف بوجود اللعنات او القدر كثوابت ضمن المبادىء الكونية لأن الانسان هو سيد اللعنات والحسنات وبما اننا خلقنا على صورة الله ومثاله لذا فأننا قادرون على زرع الخير اينما حللنا والتاريخ يحدّثنا عن شخصيات غيّروا مجرى التاريخ في العالم ومنهم من انقذ شعوب وبلدان نتيجة إتخاذهم مواقف مبدئية وجريئة غاضّين النظر في أغلب الاحيان عن رأي الاغلبية الخاطئ وضد التيارات الهائجة من الجهل المصّر على الإنتحار وبذا انقذوا الاوطان واصبحوا رموزا ابدية وصفحات متلئلئة في تاريخ اوطانهم وشعوبهم بما تركوه من اثر حيوي ومتجدد واصبحوا مشاعل تنير دروب الاجيال الصاعدة ومراجع مستقبلية لكل القادة الحقيقيين والى يوم القيامة وبذا حوّلوا قلة السنين من حياتهم الارضية الزائلة الى منبر من منابر الابدية والمسيحية تعلمنا بأن هذه الدعوة التي قبلها هؤلاء ليست محصورة بعدد محدد من الناس بل هي دعوتنا كلنا بما نملكه من القدرات الخلاّقة التي وهبنا منها الخالق بما يكفينا ان نكون ادوات فعالة في بنيان صروح تليق مع غرضه في الخليقة.
المثير حقا في دراسة التاريخ القديم والحديث لكنيسة المشرق هو ذلك الدور المؤثر إن كان إيجابا ام سلبا لرجال الدين في مختلف اوجه الحياة لشعبنا وليس الجانب الديني فقط لأن الانسان الشرقي بطبعه المتدين وإرتباطه العميق بالدين ورجاله وبما هو مرتبط بالثقافة الشرقية عامة من عدم وصولها الى تلك المستويات في الغرب من الاستقلالية وتبني المبادرات الفردية وفكرنا التقليدي والعشائري الذي جعل الشرقي يتقبل الرئاسات المرتبطة بالدين طواعية مما لا تتوفر هذه الصفة بالنسبة للرئاسات المدنية ويقينا بأن دوركم في حياتنا لهو مؤثر وإيماننا يدعونا الى النظر اليكم كقدوة وثقتنا بكم لهي كبيرة لأن صفة الراعي التي يتكلم عنها الكتاب المقدس لهي من صلب ايماننا وثقتنا بانكم ستبذلون كل مقتنيات الدنيا في سبيل رعيتكم ولذا كانت ثقتنا في اغلب الأحيان عمياء بقيادتكم لأننا نؤمن بأن الراعي الصالح يهب حياته عوضا عن خرافه وكل خطوة تخطونها وكل كلمة تصدر منكم لها وقع خاص ومسؤوليتكم لهي عظيمة تجاهنا وما تتبنوه اليوم من المبادرات سيكون له صدى مؤثر في حياة كل طفل تنجبه امهاتنا وتصيبني الرعشة عندما اقرا عبارة المسيح ( ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي ، خيرا له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجّة البحر) لأن كلام الرب لهو ابدي لا يقبل انصاف الحلول وبدوري أقف إجلالا للقرار الذي إتخذه كهنة الرب بأن يكونوا رعاة وقادة حيث لا يماطلون و لا يهابون النتائج على حساب المبادىء ويقينا بأن من يتخذ قرارا كهذا لهو مدرك لدوره ومسؤولياته وتبعات كل خطوة في حياته الارضية وكم وددت لو ان هذا المقال كان عبارة عن كيل المدائح وعبارات الاحترام ونظرة إعجاب وفخر كالتي نكنها لبعض ابطال الإيمان الذين قادوا شعبنا في ظل المذابح والابادات التي ارتكبت بحق اجدادنا وغيرهم من ابطال الايمان الذين تذكرهم كنيستنا المشرقية وانتم ادرى بذلك حيث درستم التاريخ واللاهوت وغيرها من العلوم ولكن إسمحوا لي بالشكوى والتذمر وذلك لخوفي من المستقبل في ظل صراع شعبنا ضد الامواج الهائجة ولمدة مئات من السنين ونحن ابناء الكنيسة الشرقية ندعوكم أباء وكما نعلم ان الابن له حق الشكوى والتذمر لأبيه وما يدعوني الى التذمر هو استمرار إرث الذين سبقوكم بجانبه السلبي الذي إستمر دهورا وتسبب في الانشقاقات وخلّف حساسيات بين ابناء الشعب الواحد مما حدا بالكثيرين من ابنائنا الى البحث عن اوطانا جديدة تأويهم بعدما تسببت تلك الانقسامات الى خسارة الارض والوطن وإستمرار تجرّعنا الألم ولا يخفي عليكم بأن الأغلبية الصامتة من شعبنا يحمّل رجال كنائسنا اغلب المسؤولية لإستمرار تبعات ما نعانيه كشعب مقسم الى طوائف وكنائس لانكم يقينا تملكون السلطة لتوحيد هذه الامة وحل اغلب المشاكل المتعلقة وبفترة لا تتجاوز الشهر إذا ما قررتم انتم آبائنا بطاركة كنيسة المشرق الثلاث بشرط وجود النية الصادقة لإتخاذ قرارا مقرونا بروح التواضع التي دعا اليها المسيح الذي تمثلونه وكم تبدو القرون والعقود الطويلة في ظل التشتت والتشبث بالاخطاء غريبة ومناقضة للمبادىء التي تمثلونها حيث يدعوا الكتاب المقدس الى عدم السماح للخطأ بأن تغيب عليه الشمس واغلبنا يدرك ان سبب الانقسام في كنيسة المشرق كان اغلبه سوء الفهم اللغوي او تناقض الاجتهادات في التفاسير اللاهوتية لبعض الاهتمامات التي ظهرت في فترات متعاقبة في التاريخ الكنسي ولكن الذي أجّج تلك المشاكل كان نابع من الصفات التي تناقض المسيحية التي حملتم لوائها في مقدمة المؤمنين لكي تتواصل مسيرتها للاجيال القادمة ، وكما تعلمون بأن من صلب صفات إيماننا هي الأمل والتفاؤل لذا فأنني متفائل دائما بمقدرة الانسان بالرغم من الاخطاء التي يرتكبها على التغير وصنع العجائب لأنه خلق على صورة الخالق لذا أحببت في هذا المقال ان اعّبر ما بداخلي وإوجه لكم همومي ولأباءنا في كنيسة المشرق المجاهدة ومن خلالكم الى شعبنا المتبقي من عمق التاريخ بكل مآسيه ودماءه وظلم الأقربين وغدر الأصدقاء وجهل وإنتهازية الكثير من بيننا الذين يستغلون هذه الظروف لتعميق الجروح وزيادة الشروخ في جدار هذه الامة إذ أن التاريخ واللغة والدم والتراث والمنبع لا يعنيهم بشىء وتنطبق عليهم مقولة الكتاب (هلك شعبي من عدم المعرفة) وهم على الاستعداد لجعلنا قبائل وعشائر ومناطق وشعوب في سبيل مصالح شخصية ضيقة ومناصب دنيوية وغرور نكاية بالبعض الآخر من جهلة شعبنا من ذاك الجانب أو تلك المؤسسة وكأنهم على وشك رؤية بناء الامبراطورية الأشورية والكلدانية وأما على ارض الواقع فأن أبناءنا ينتهزون أي فرصة للهروب من تلك الارض الموعودة وبذلك هم يتلاشون رويدا رويدا والملفت للنظر أن اغلب الداعون الى إنشاء هذه الامبرطوريات هم من حملة الجنسيات الأجنبية إرتضوا بها عن قناعة القلب والإرادة الحرة وأقسموا على أن يكونوا جنودا لأمتهم الجديدة وعاهدوا اللة في قسم إكتساب الجنسية على حماية وحدة وإستقرار بلدانهم وقومياتهم وشعوبهم المكتسبة، أليس هذا من عجائب الدنيا السبع وألا يدعوك هذا الى التفكير بمدى نفاق البعض وعلى مدى إنتهازيتهم وكبريائهم، من منكم لا يرى الفرق شاسعا بين إكتساب جنسية قوم لا نمّت لهم بأي صلة بينما نحارب أهل بيتنا وشعبنا الذين جبلت دماءنا وأجسادنا وآمالنا وخوفنا معا، واذا نظرنا الى واقعنا في المهجر نستطيع الجزم بأن أولاد وأحفاد هؤلاء الذين يعيشون أحلام الامبراطوريات سيصبحوا إنكليزا وأمريكيين واستراليين..الخ وسيتكلموا لغة غير لغة أبائهم ويرتضون بقومية غير قومية اسلافهم، وكما ترون بأن شعبنا يذوب بين هَمّ الدولار والاستقرار.
أغلب الامم تدرك بأنه لا بديل عن وحدة شعوبها لكي ترتقي بين الشعوب وتصل الى الرخاء الذي يستحقه ابنائها ويعتبرون الوحدة مبدئا نبيلا ومقدسا فكم بالأحرى بين خدام الرب المسيح الذين يمثلون أقدس مبادىء عرفتها البشرية وحيث أنهم يمثلون المسيح الذي لا تسعه السماوات والارض وأن رسالتهم لا تملؤها الارض كلها وهم فوق الامم والشعوب والقبائل لأنهم يمثلون رب السماوات والأرض فكيف تريدوننا ان نقبل أي بادرة تصدر من هؤلاء تناقض هذه المبادىء ولا تمثل هذه القيم النبيلة، أليست وصية الرب بأن يكونوا واحدا وطبعا هذا الكلام موجه أيظا لعامة ابنائنا من حاملي هذا الارث النبيل.
فأين نحن من الشعوب والامم التي على الرغم انها تتكلم لغات مختلفة واديان مختلفة وثقافات لا رابط بينها البتة ولكنها توحدت على اسس إنسانية او إقتصادية ولننظر الى الدول التي يعيش فيها الكثير من أبنائنا مثل الدول الاوربية و في أمريكا المتكونة من اكثر من 400 قومية وأثنية مختلفة كليا ومثلها استراليا وكندا وغيرها من امم الارض التي لا يعانون من هذا الصفات السلبية التي تناقض المبادىء المسيحية والقومية ألا يعني هذا إننا على خطأ ويجب علينا مراجعة كافة حساباتنا وان نعيد النظر بكل ما حدث وبما يحدث لأجل إكتشاف الحقائق وإدراك ما يحيط بنا وتحديد خطوتنا المقبلة وفقا لنقد وتحليل عقلانيين يعتمد على متابعة وتحليل كل الاطراف دون أحكام مسبقة بل الاعتماد على الواقع الملموس والتنقيب فيه وخلفه وتحته وفوقه حتى نصل الى تكوين صورة متكاملة عما حصل ويحصل لنا.
أبائي الأجلاء وإخوتي الأعزاء، لا يخفي عليكم ومما ذكرته أعلاه هي من بعض الأسباب التي أبقت شعبنا ضعيفا وعرضة لغزو الفرس والاتراك والكرد والعرب...الخ وهل أدركتم لماذا تم سبي النساء وذبح الشباب وبدون رحمة وهل عرفتم السبب من بقائنا بدون وطن أو كيان لنربي أجيالنا كما يستحقون، ودعوني أسأل الذين يعترفون بأننا شعبا واحدا من رجال الدين ورؤساء الأحزاب وغيرهم، ما الحاجة إذن الى عدة قوميات لأن صفة الشعب الواحد تنفي وجود قوميات متفرقة والحكيم بيننا يدرك هول المسؤولية الملقاة على عاتق كنائسنا ومربيّ اجيالنا في النهوض بالأجيال القادمة وتهيأتهم ليكونوا بمستوى التحديات والاستحقاقات القادمة لأننا كشعب نسكن بين الذئاب ومهما اختلفت تسمياتهم والتاريخ هو لأفضل معلم لأننا أمام الفلسفة والايديولوجية نفسها التي سمحت ببقر البطون وذبح الأبرياء وإغتصاب النساء من دون آدمية، وبذلك يضمنوا مستقبل امتهم وبالتالي الاستفادة من الأخطاء المتكررة من اسلافهم الذين اوصلوهم الى مستوى يضرب به المثل بالتشتت والضياع في بلاد العالم..
وختاما: أبائي الاجلاء، ان مقولة العقود الطويلة من الانقسام في الكنيسة يلزمها سنين من البحوث والمؤتمرات من اجل لم شمل كنيسة المشرق تبدو غير مقبولة لأن ما أسهل الاتحاد اذا كان منبعه مستندا على المبادىء المسيحية وما اصعبه اذا طغت الصفات البشرية المناقضة للمبادىء الكونية ولا يخفي عليكم بأن اغلب الشعب يتطلع الى تلك الوحدة بالرغم من قلة قليلة تعودّت على الفكر العفوي والآني والتي لا يختلف كبرياءها عن ما يتميز به جهلة الكثير من الشعوب الذين تم لفظهم من قبل شعبهم في المراحل الحاسمة من تاريخها، وليس تشاؤما عندما نقول بأن أمتنا في عصركم على مفترق طريق فيه خياران إما الوحدة وبذا ترتسم علامات البهجة على وجه سيدنا ومخلصنا المسيح وإما إستمرار زوبعة الانقسامات والالام والدماء والتقهقهر والتهجير، نعم ايها الاباء كلي ثقة بأنكم قادرون على تحقيق حلمنا في الوحدة وتلك هي رغبة المسيح ورغبة اجيالنا ورحمة بنا لأنكم تدركون ان الشعوب الشرقية لها إرتباط خاص بالدين وبرجاله ولذا فأن المؤسسات السياسية والمدنية في الشرق لا تملك من المقومات ما تملكونه من اجل تحقيق وحدتنا واقول لأبناء شعبنا بأن التاريخ يعلمنا بأن حق الإنسان الشرعي والقانوني لا يمكن نواله بالتمني وبطيبة القلب والسذاجة وانما ينتزع في كثير من الاحيان بالقوة وبواسطة العمل الجاد والتضحيات، ويلزمنا إعادة النظر بكل البديهيات والمسلمات التي لم تصلح حالنا وادت الى تشردنا في اغلب اقطار العالم وعلينا عدم الوثوق لا بالامريكان ولا الإنكليز أو الأكراد أو العرب..الخ لأن النتيجة تكون دائما الضياع والدماء ولأننا إختبرنا الجميع ولنتعلم من الشعوب التي حققت ما تريد والتي تعيش بين ظهرانينا التي كنا ننظر اليها نظرة تعالي ونتباهى بأننا اصحاب الحضارات العريقة ولكننا مستمرون بالتقهقر والتشرد، ما لي وقبل ألفين سنة، تعالوا لنبرهن بأننا بحق من تلك الذرية أما بالنسبة الى وحدة شعبنا أقول: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح كل المسميات وخسر شعبه وتذكروا بأن كنائسنا اليوم صمدت عبر التاريخ نتيجة الحس القومي لشعبنا وإلا لكنا أما عربا أو أكرادا.
والرب المسيح يحذرنا في ختام سفر الرؤيا بأن( ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماء وإنما كل من يفعل مشيئة أبي ) فدعوني ويقينا أن أغلب أبناءكم يشاركني هذا الشعور أن نتوسل ونتذرع اليكم ونطلب رحمتكم لأننا نستحق العيش بكرامة بين الشعوب وإكتبوا صفحة مجيدة في تاريخنا وها هي فرصة لم تسنح لكثيرين لترتفعوا الى مصاف القديسين وتصبحوا من عظماء هذه الأمة وتصبحوا مزامير مديح الى يوم القيامة وتقبلوا مني كل الحب والاحترام .
ملاحظة لا بد منها:
تحية حب وإجلال لبعض الاباء الكهنة والكثير من العلمانيين الذين يعتبرون بحق الجنود المجهولين لهذا الشعب الذين يصارعون التيارات الهوجاء من الجهل والانانية والتقليد والعقلية العشائرية ويقينا هم املنا لتوحيد امتنا وفي وصولنا الى بر الامان وامل اجيالنا من بعدنا.
سليمان يوحنا