الأسباب الرئيسية التي تهدم الحياة الزوجية
الأب يوسف جزراوي(من كتاب ملحمة البحث عن النصف الآخر الصادر مؤخرًا
"الزواج كشبكة الصياد يتهافت عليه العُزاب كما يتهافت السمك على الشبكة، والعالق فيه يتخبط جاهدًا للتخلص منه، ولكن من دون جدوى"(سقراط).
أُسجل هُنا بعض النُقاط الجوهرية التي تُسهم في تسمّم العلاقة الزوجية وتؤدي إلى خراب العائلة وتمزيق وحدة الزوجين المدعوين لأجلها، ولأجل عيشها من خلال سرّ الزواج. هُناك العديد من الأسباب التي تُهدد وحدة الحياة الزوجية، لا يسعفني الوقت هنا للتصدي لها، فمجلدات لن تكفيها، لكنّني سأكتفي بتسجيل الأسباب الجوهرية التي تصيدتُها من واقع حياة الكثير من المتزوجين. ولعلّي أحصرها في ثمانية نقاط، كما سوف أتطرف إلى سُبل حلها ومعالجتها.
1. الاختيار الخاطئ
سأل أحد الأطفال والده قائلاً: بابا أصحيح أن الحبّ أعمى؟ أجابه الأب: يا ولدي أنظر إلى أمك وأنت تعرف!
يقولون الحُبّ أعمى أو مُصاب ببُعد نظر، من هذا المنظور، يشعر البعض ويلمس في مرحلة مُبكرة أو مُتأخرة من زواجه أنه قد أختار شريكًا غير مُناسب، وربّما لأنهما التقيا في ظروف خاطئة، أو بسبب الاستعجال وعدم التأني والتروي في الاختيار. أو بسبب أن الاختيار كان مُنصبًا ومُبنيًا على أسس سطحية نفعية، كالمال والجمال والمظاهر الخارجية أو لغرض السفر، أو لأجل غنى أحد الطرفين، فكان الزواج أشبه بالصفقة المادية أو التجارية. أو تنفيذًا لأوامر العائلة، وتحقيقـًا وتنفيذًا لرغبتهم، وعندما يفشل الزواج يعللون إن الحبّ أعمى، هذا قدرُنا ونصيبُنا..قسمتنا.
عن الاختيار الخاطئ لشريك الحياة أرى خير لنا الرجوع إلى الكتاب المُقدس، فهو كتاب حياة، يعج بالخبرات الإنسانية، ومنها:
يُقدم لنا الكتاب المُقدّس قصصًا للزواج لكي نعتبر بها، كما يُقدم وصايا لكي نلتزم بها، ونختار منها ما يلي:
• في قصة زواج إسحاق أبن إبراهيم (تكوين 24) في حدود سنة 2026 ق. م تقريبًا، نرى أن أسس الاختيار لم تكن مبنية على الجانب الحسي أو المظهر الخارجي، بل على جمال الروح والطباع والشخصية، بعد الاستعانة بالمشورة الإلهية! وهذا هو النموذج الأمثل.
• أما في قصة زواج شمشون ( قضاة 14، 16) نجد نموذجًا للزواج حسب مفهوم العالم والمجتمع، فيقدم لنا سفر القضاة النتائج المُترتبة على الزواج الذي يُبنى على الرغبة والشهوة، وما يترتب عليه من ندم ودمار وآثار سلبية على الزوجين وعوائلهما، وعلى بنيهم .
• وأخيرًا ما تكلم به الوحي في (سفر الأمثال 31 ) مُقدمًا لنا شرحًا تفصيليًا عن صفات الزوجة الصالحة والأسس التي يتم عليها الزواج. وقبل نهاية الإصحاح، يُفجر لنا كاتب هذا السفر المفاجأة في العدد 30 عندما يقول: "الحُسن غش والجمال باطل، أما المرأة المُتقية الرب فهي تُمدح".
إن من يضع اهتمامه فقط على الجمال والمظاهر الخارجية، الشكليات السطحية، إنما نشبهه بمن يُعجب بقارورة عطر جميلة جذابة ويقتنيها ولا يعلم أن بداخلها سمًا قاتلاً. فكَم من جمال خارجي خادع يُخفى خلفه من القُبح ما يستعصى معه الشفاء ويعجزعنه العلاج! وكَم من أصحاب بشرة سمراء، أو محدودي الجمال، لكنّهم يمتلكون قلوبًا ناصعة البياض. المهم هو جمال الروح والفكر وطيبة القلب، والأمثال الشعبية تقول:"ليس كلّ شيء يلمع هو ذهب، وليس كلّ شيء أبيض هو ثلج". ونحن نقول كَم من شخص جميل الوجه والمظهر، ولكن ما أقبح سلوكه، وما أقسى قلبه وما أصعب طباعه، وما أثقل كلاماته الجارحة القاتلة. ولا أقوى من القتل بالكلمات!وكذلك هو حال الذي يبني زواجه على المال أو السفر أو اختيار فتاة دون معرفة عميقة بها، ودون الوصول إلى إنسجام وألفة بينهما على عدة أصعدة، فقط أستند الإختيار،على المصالح الشخصية والمال والتفاخر باسم العائلة وما تحتله من سمعة وصيت حسَن في المجتمع. هنا سيجد نفسه في مطب من الصعوبة الخروج منه.
المال نعمة الله إلينا، إنه أمر مهم في الحياة، لكنّه ليس كلّ شيء! لذا أقول أن محبة المال تُفسد المحبة الحقيقية السامية التى ترتقي بالمشاعر الإنسانية، فالمال وسيلة وليس هدفًا، إذ إن القيمة الحقيقية في المسيحية للفرد، وليس للأشياء.
يؤلمني أن تغدو مُتطلبات الزواج ثقيلة لتغدو عائقـًا- حجر عثرة، فهناك أمهات يطلبنَّ طلبات غير معقولة وليست بمقبولة من ذهب وتجهيز الفتاة بالملابس، وتأثيث أثاث فاخر، وطلب( أورخة)! وكَم تمنيتُ أن تُبَطل هذه العادة المُنافية لتعاليم الرب، وكأن الفتاة تُشترى بمبلغٍ من المال. وغالبًا ما يُعلل ذوي الفتاة سبب مطالبتهم بالأموال الطائلة (أورخة) ثمنًا لتربية أبنتهم..! وكان عذرهم أقبح من الطلب! أمام كل تلك المطالب التي لا تعرف الإكتفاء، سيشعر الشابّ أنه إزاء عملية شراء- صفقة، ولابّد له من دفع الثمن وتضحيات باهظة لأجل الظفر بإنسانة تشاركه الحياة. وكأنه يشتري شيئًا وليس الدخول في علاقة مُقدسة (الزواج)، ناهيك عن طلبات الحفل وتحضيراته المُكلفة، ومسكت باب العروسة الذي أصبح تجارة! كلّها عادات وتقاليد وثنية، باتت تُقلل من شأن الفتاة، ناهيك على إنها بعيدة كل البعد عن تعاليم الإنجيل. والكنيسة وأقولها بكلِّ صراحة، باتت غير مُبالية لتلك الأمور. أما عن طريقة تحضير وتنشئة المخطوبين، فحدث ولا حرج! هكذا وللأسف أصبحت الكثير من الأسرار، ومن ضمنها سرّ الزواج، فارغًا من معناه الروحي ومعانيه الأصيلة.
جُلّ ما أتمناه، أن يختار الشريكان أحدهما الآخر، مُستندان على الجمال الروحي والعمق الفكري، وليس من أجل الجمال والمظاهر الخارجية، أو لغاية مادية أو وصولية كالسفر والاغتناء، والهروب من واقع العائلة بسبب الفقر أو المشاكل أو الغربة داخل العائلة وتشتتها.
ياليت يدرك إنساننا اليوم أكثر من أي وقت مضى، ماذا يُريد من الزواج؟ لان الزواج قرار مصيري، ومسؤولية كبرى تجاه الرب وإزاء شريك الحياة والمجتمع. وحبذا لو يتسأل الخطيبان ويدركان بعمق ووضوح، ماذا يُريدان من بعضهما البعض؟ وما هي خططهما لبناء مُستقبلهما؟ كيف يكون كلّ طرف منهما على طبيعته بدون رتوش وتصنع وتمثيل! ولكن نحن كشرقيين مُعظمنا يتفنن في ارتداء الأقنعة والتخفي ورائها، إذ الكثير يُجيد تمثيل أدوار بطولة رائعة، وهذا ما أراه يحدث في الكثير من الخطوبات. فبدلاً من أن يكون زمن الخطوبة، زمن إكتشاف ومُصارحة ووضوح وإنسجام، زمن يساعدهما على الوصول إلى التوافق والإنسجام، لأتخاذ قرار مصيري، تراه يتحول إلى زمن للتمثيل والتصنع وأخفاء الحقائق والمسكنة والتنازل،ولاسيّما من طرف الفتاة، لان فسخ الخطوبة يسيء إلى سمعتها!
الزواج قرار صعب وأختيار أصعب، لذا ليتك تختار(ين) شريك الحياة، بحكمة ودراية وتأني وتعقل وحبّ وصلاة، بعد الأتكال على مشورة الرب ومعونته ومساعدة الآخرين. كن من ذوي الأختيارات الصحيحة. قول لي ما هو أختيارك. سأقول لك من أنت!