الزنى بين المتزوجين فقط
أوصى الرب يسوع في الموعظة على الجبل على علاقة الزواج، إذ رفض الزنى وجعل عقابه شديدًا، راسمًا حدودًا للطلاق إلا لعلة الزنى، "ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان". ليجعل من بيوتنا بيوت يظلّلها الحبّ، إذ إن أساسها مبني على الصخر لا الرمال ليستطيع كلّ من الطرفين مواجهة العواصف والأعاصير التي قد تواجه علاقتهما، وصار مفهوم الزوجة الواحدة هو السائد في العهد الجديد.أي حبّ وإخلاص واستمرارية وقبول الطرف الآخر كما هو وليس كما يريده الشريك الثاني.
الزنى،هو خيانة العهد الزوجي الذي قطعه الزوجان مع بعضهما البعض ومع الرب أمام كاهنه ومذبح الرب وشعبه بالأمانة والوفاء والإخلاص لبعضهما الآخر.
دعى السيّد المسيح له المجد رُسله وأتباعه وكلّ المتزوجين أن يتساموا في نظرتهم للجنس الآخر. فتكفي نظرة سوء بنيّة سيّئة حتّى يتحقق الزنى:"أما أنا فأقول لكم: مَن نظر إلى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه. (متّى5: 28). بعض مُفسري الكتاب المُقدس يميلون برأيهم على أن يسوع كان يُركّز في هذه الآية إلى المتزوجين بشكل مُباشر.
نفهم من تلك الآية، هُناك علاقة بين النظر والشهوة والزنى، هذا ما يؤكده ربّنا يسوع بقوله:"سراج جسدك عينك. متى كانت عينك سليمة، كان جسدك كله نيرًا، وإن كانت شريرة، كان جسدك مُظلمًا، فأحذر اذن لئلا يكون النور الذي فيك ظلامًا"(لوقا 11: 33- 36).
لأّبُدّ لنا من قراءة تأمُّلية هادئة لنكتشف ما يختبئ وراء هذا النص من معاني.
العين هي سراج الجسد، إذاً هُناك علاقة وآرتباط وثيق بين العين والجسد. البصر( النظر) نعمة عظيمة، ولكن أي نظرة نمتلك للآخر؟ُ هل هي نظرة شهوة وغريزة ولذة، أم نظرة سامية؟ من هذا المُنطلق، يبغي المسيح أن تنتقل العين من موقعها الجامد في الجسد إلى أداة مُهمة تتحرك لتنير الجسد بأكمله. لذلك أستطاع المسيح أن يقول:"إن كانت عينك سليمة كان جسدك كله نيرًا". بمعنى أن العين السليمة الصغيرة تُنير الجسد كله. ربّنا يسوع يُحذر الإنسان من نظراته للطرف الآخر، فأن أساء استعمال نظره، سينقلب النور الذي فيه إلى ظلام.
أما أنا فأقول لكم: مَن نظرَ إلى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه. (متّى5: 28). غالبًا ما تستوقفني هذه الآية بتساؤلات يصعب الإجابة عليها! من نظرَ إلى امراة..لماذا يسوع يُخصص هنا الرجال فقط؟ ولم يقول: من نظرت إلى رجل بشهوة؟ إن تفسير الكتاب المُقدس (طبعة الآباء اليسوعيين) لهذه الآية يؤكد أن السيّد المسيح خص المتزوجين بها فقط.
الزنى يتم بين المتزوجين فقط، بين الذين يجمعهم عهدًا مُقدسًا (الزواج). وهنا أود أن أشير إلى أن الكثيرين من الناس في سرّ الإعتراف، يخلطون بين الزنى وبين مُمارسة الجنس ما قبل الزواج (الفساد الأخلاقي، الفسق)، فيعترفون قائلين:"لقد زنيت"! وعندما أسأله أو أسالها،:هل أنت( أنتِ) متزوج (ة)؟! فيجيب على الفور كلا. فأقول له (أنت-أنتِ) لست بزاني(ة)، ولكن أنت( أنتِ) مارست الجنس خارج شرعية الزواج، وخارج إطار التقاليد الإجتماعية والأسس الأخلاقية، غير مُباليًا لتعاليم الإنجيل الذي يوصي بعدم ممارسة الجنس إلا في إطار الزواج. لذا أُذيع علنًا: أن الزنى يشمل المتزوجين فقط،لأنه يكسر عهد الحبّ، ويناقض ما تعاهد به الزوجين أمام مذبح الرب، إنه خيانة للذات وخيانة للعلاقة والعهد الزوجي.
الزنى، إدخال طرف ثالث في الشراكة الجسدية والحياتية للزوجين. إذ الزنى هو بتر وخيانة عهد كان قد قطعه الطرفان للبقاء أمناء لبعضهما البعض طيلة الحياة؛ أمانة تشمل جميع الأبعاد، وليس البُعد الجسدي وحسب.
إن هذا البتر يتم بواسطة الخيانة، وإقحام طرف ثالث في الحياة العاطفية والجنسية والفكرية. إن الطرف الثالث لا يكون زانيًا فقط، بل سارقـًا، لأنه سرق ويسرق حقًا ليس له، مُساهمًا في خراب عائلة، وتفكيك وحدتها الزوجية، مُساهمًا بكسر عهد الزوجين، مُنساقًا خلف أهواءه الغريزية، مُستغلاً ضعف الطرف الخائن، والظروف التي يُعاني منها مع شريكه الأصلي.
يدعو بولس الرسول إلى عدم الخيانة، من خلال إعطاءه للزواج درجة سامية جدًا، حين يشبهه مع علاقة المسيح بالكنيسة، ويصف العهد بين الرجل والمرأة على أنّه صورةً للعهد بين المسيح والكنيسة. "هذا السرّ عظيم؛ ولكني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة"(أفسس 21:5-32).
في حضارتنا اليوم، كثيرًا ما يصعب الوقوف في وجه التجارب الجنسية، لاسيّما ونحن نعيش في عالم الماديات والإثارة، عالم العولمة، الذي بات فيه كلّ شيء مُباحًا! لذا على الأزواج والزوجات ألا يمتنع أحدهما عن الآخر، بل على كلِّ منهما تلبية رغبات الآخر. ولكن، ياليت أن يعمل الأزواج على أنسنة هذه الرغبات، فالحياة الجنسية بين الزوجين ليست بفعل بهيمي، بل فعل إنساني مُقدس يسمو بالعلاقة الزوجية.